اصابعه فقال : كأني انظر الى تكنيعه ، أتاهم فأنذرهم ثم عاد اليهم من الغد ، فقتلوه . ثم قال : ان المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل بلية الا انه لا يقتل نفسه» (1) .
ان «صاحب ياسين» هو حبيب النجار و«التكنيع» مع النون كما هو في اكثر النسخ بمعنى التشنج والمثلة كما في البحار . قال المجلسي «كأنه كان الجذام سببا لتكنيع اصابعه» (2) وفي هذا الكلام تأمل .
ويستفاد من هذه الاحاديث والروايات الاخرى ان الانبياء والمؤمنين قد يصابون بأمراض منفرة لأجل بعض المصالح . وتقابل هذه الاخبار ، احاديث اخرى تنفي تشويه جسم النبي ايوب عليه السلام بسبب الامراض ، وانبعاث الرائحة الكريهة من جسده المبارك . ولا جدوى في الجمع بين هذه الروايات واطالة البحث فيها .
وملخص الحديث ان مثل هذه الامراض لا تسيء الى المؤمنين ولا تعد نقصا لهم ولا للانبياء عليهم السلام ، بل تبعث على رفعة درجتهم وعلو شأنهم والله تعالى اعلم بالصواب .
فصل: في بيان ان الدنيا ليست محلا لثواب الحق المتعالي وعقابه
اعلم ان هذا العالم الدنيوي لما فيه من النقص والقصور والضعف لا يكون دار كرامة ولا محلا لثواب الحق سبحانه ولا محلا لعذابه وعقابه ، لان دار كرامة الحق عز وجل عالم تكون نعمه خالصة وغير مشوبة بالنقم ، وراحته غير مخلوطة بالشقاء والتعب ، ومثل هذه النعم غير متوفرة في هذا العالم ، لانه دار التزاحم والصراع . وان كل نعمة من نعم هذا العالم محفوفة بأنواع من العذاب والآلام والمحن . بل قال الحكماء ان لذات هذا العالم هي دفع للآلام ونستطيع ان نقول ان لذاته تبعث على الآلام لان اثر كل لذة ، شقاء ونصب والم ، بل ان مادة هذا العالم تتمرد على قبول الرحمة الخالصة والنعمة المحضة غير المشوبة بالمكارة . وهكذا العذاب والشقاء والالم والتعب في هذا العالم لا يكون خالصا، بل يكون كل ألم وتعب محفوفا بنعمة او نعم ، وكل واحد من الآلام والأسقام والشقاء والمحن في هذا العالم لا يكون محضا وغير مشوب بنعمة ورحمة : فإن مادة هذا العالم تتمرد على قبول العذاب الخالص المطلق .
ان دار عذاب الحق سبحانه ودار عقابه ، دار فيها العذاب المحض والعقاب الخالص ، وان آلامها واسقامها لا تضاهى بآلام واسقام هذا العالم كأن يمس العذاب عضوا دون عضو ، او يكون عضو سالما وفي راحة والآخر في تعب وشقاء . وقد اشير الى بعض ما ذكرنا في الحديث الاربعون حديثا :236
Página 235