ولم تكن تجيب على هذا السؤال؛ لأنها كانت كأمها تسأله دائما، تسأله نفسها، وتسأله الظروف، وتحاول أن تفهم فلا تستطيع.
وجاء اليوم لتفهم كل شيء، جاء بعد ستة أعوام، حين وجدت نفسها وجها لوجه أمام سيد في عربة قطار، حاولت أن تخفي اضطرابها ففشلت، حاولت أن تتجاهله ففشلت، وتكلم هو فحياها، وسألها عن أخيها وعن أمها وعن ... وعن حبيبها الموهوم، سألها: هل تزوجتما؟
وأجابت: لم يكن بيننا حب، ولا عهد زواج.
وصمت لحظة ثم قال: ظننت أن الحب وعهد الزواج ليسا هما الدافع للزواج.
وأحست ما في جملته من سخرية، فقالت متجلدة: إنني لم ألقه إلا ذلك اليوم، ولم ألقه بعد ذلك اليوم. لقد فعلت أنت ما لم أفعله أنا ؛ تزوجت في ليلة واحدة غير التي عاهدتها أعواما، إنني لم أفعل ما فعلته إلا لأثير غيرتك بعد أن رأيتك.
ومضت تقص في سيل من الدموع ما حدث، وأفاقت وقد تغير الوضع، فلم تعد مذنبة تعترف، كان هو الذي يعترف مستغفرا، كان يقص عليها كيف عانى في سبيل خطبتها من تعنيف أسرته، كيف ثاروا عليه وكيف احتمل، كيف وضعوا في طريقه قريبة غنية ليتزوجها، وكيف قاوم رغبتهم، وظل يقاوم حتى رآها بعينيه مع زميل لهما، فجن جنوه وذهب من فوره إلى أمه، يطلب إليها أن تزوجه بقريبتها، إن أمه لم تدع الفرصة وقد أحست أنه غاضب، وخشيت أن يزول غضبه فسارعت إلى تزويجه، إنه لم يدر ما فعل إلا بعد أن ضمه وزوجته سقف حجرة واحدة، أدرك إذ ذاك أنه أخطأ في حق نفسه، نفسه التي لم تصب ولم تحب غير فاطمة. •••
إن فاطمة لم تتزوج بعد ذلك، ظلت ثلاثة أعوام تعيش وحيدة، من العبث أن يقال إنها كانت تحس بأنها تحيا وسط أسرة مكونة من أمها وشقيقها وزوجته وطفله، لقد كانت وحيدة، وحيدة لا يعرف أحد عنها شيئا، حتى حين لفظت أنفاسها في الذكرى التاسعة لحطام هواها، وقف الطب حائرا لا يدري عن تسممها شيئا، هل هو نتيجة جرح أصابها وهي تعمل؟ أم هو جرح قديم؟ قديم ... من عمر هواها!
Página desconocida