كانت قد استيقظت ورأته يلثم يدها في حذر، فعلت شفتيها ابتسامة هادئة، وأشرق جبينها المضني.
وقالت في حنان: شكرا يا دكتور، إنني أعرف كل شيء، أعرف أنها أيام قلائل، ثم ... ثم أنتهي، لكنني سعيدة جدا.
وحاول أن يغير مجرى حديثها، فقال متكلفا الابتسام: إنك واهمة، لسوف تشفين قريبا، وتعودين إلى حياتك وبيتك، و...
ولكنها لم تدعه يتم كلامه، بل قالت في إشفاق: لقد سمعت كل شيء بالأمس، رأيت الدموع وهي تكاد تطفر من عينيك، لكن أيمكن؟ أيمكن؟!
وتداعى صوتها، وسبحت عيناها في سقف الحجرة، وسادهما الصمت لحظة، كانت يداه تطبقان على يدها وتضغطان في حرارة، وكانت يدها اليسرى قد امتدت، وأخذت تربت على يديه، وكان كل شيء يتحدث إلا لسانها ولسانه.
وأجفل مذعورا آخر الأمر، وسحب يديه مسرعا، وتمتم دون أن يعي: لكن ... لكن، ليس لي الحق، إنني آسف، لكن ... وتملكتها قوة خارقة، وغلبها سلطان لا يقاوم، كانت كأنما تهذي. - لكن ماذا؟ إن لي الحق، إنني حرة ولست لأحد، ثم ما ذنبي أنا؟ لقد قاومت ما استطعت، ثم ...
وعلا نحيبها، أحس بكل قطرة من دموعها جمرات من النار، تتساقط في فؤاده، لم يدر ماذا فعل إلا حين رأى شفاهه ترتعش، وهي تغادر جبينها الملتهب، كانت قبلته قد حملت إلى جبينها كل شيء، وعبثا حاول عقل الطبيب أن يسترد سلطانه، أحس أنه يريد أن يبكي، وتساقطت قطرات دمعه على يديها، ومرت دقائق قبل أن يستعيد جأشه، وعندما هدأت ثورة بكائه سار مثقل الخطوات دون أن ينظر وراءه، لو أنه نظر لكان رآها، رأى المريضة المتهالكة تبتسم في فرح، وقد ملأت عينيها الدموع!
ومرت الأيام سريعة متلاحقة، وعاش منير إلى جوار فراشها ساعات طويلة، كان يحدثها عن الشفاء العاجل، فتحدثه عن السعادة القصيرة، كان يقوي عزيمتها، فتسخر من الأمل ولا ترجو المستقبل.
وقال لها ذات يوم كان الموت يتحسس طريقه إلى قلبها متعجلا قلقا: ماذا؟ أتحسين شيئا الآن؟
وتحركت في ألم، وقالت وهي تبتسم في أسى: أحس أنني سعيدة، وأود لو مت هكذا!
Página desconocida