197

فقال: ومن شأن من غيرك؟

فقلت: ماذا تقصد؟

فقال في تردد: أريد أن أسأل. المسألة بسيطة. أظن أن عبد الحميد أفندي يريد أن يخطبها، فإذا كنت توافق انتهينا، وأما إذا كان لك رأي آخر ... أحب أن أعرف؛ لأني أريد أن أبحث ...

وتردد لحظة فاتحا فمه في ابتسامة بلهاء، واستمر قائلا في تعثر: هل ترضى بي أنا ؟ سأبني لها فيلا والمهر كما تحب، والأشياء رضا والحمد لله.

فلم أتمالك أن قهقهت من المفاجأة، وقلت: الله يجازيك يا حمادة.

وخبطت على كتفه بيدي قائلا: ليس هذا من شأني، منيرة هي صاحبة الرأي الأول والأخير في نفسها.

واستمرت الضحكة البلهاء على وجه حمادة مدة طويلة، كما بقيت ضحكتي في قلبي طوال اليوم حتى جاءت منيرة لزيارتي في ساعة العصر، فكانت موضع فكاهتي معها.

ولست في حاجة إلى أن أعيد هنا أني قطعت الأمل في الخروج من السجن؛ إذ كان المدعي العام يسير في التحقيق على أكثر من مهله، ومرت الأسابيع تتوالى على وتيرة واحدة، فكنت أقضي الأيام والليالي في القراءة أو الكتابة أو في الحديث مع زملائي في السجن.

ولما بدأت السنة المدرسية سافر عبد الحميد إلى دمنهور، فصارت زيارة أمي وأختي مرة واحدة في كل أسبوع كلما جاء عبد الحميد من دمنهور.

ولم يقطع هذه السلسلة المتصلة من الحياة الرتيبة إلا حوادث قليلة في مدة الشهور الباقية التي أقمتها في السجن، وأولها إتمام النيابة التحقيق في قضيتي ورفعها إلى قاضي الإحالة الذي أحالها بدوره إلى محكمة الجنايات، وصدر الحكم آخر الأمر بحبسي ستة أشهر؛ لأن القضاء استطاع آخر الأمر أن يجد في مقالاتي جريمة العيب في الذات الملكية؛ ذلك الشيء الذي يمس من قريب أو من بعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تصريحا أو تلميحا تلك الذات.

Página desconocida