147

فقلت باسما: تفضلي يا أمي واجلسي هنا.

وأخذت أحكي لها كل ما مر بي منذ الصباح، فكأن تعليقها على ذلك أن قالت: الله يبارك فيك يا ابني!

ثم قامت ووضعت يدها على رأسي، وجعلت تقرأ والدمع يترقرق في عينيها.

ثم قالت: رحم الله الجميع يا ولدي؛ فقد كان السيد أحمد جلال رجلا كريما، حماك الله من الفضائح يا ولدي!

ولما خرجت أمي من الغرفة بدأت أسأل نفسي: ماذا ينبغي لي أن أفعل؟ وكان أول خاطر سنح لي أن أسرع إلى منى؛ لأخبرها أن المشكلة قد زالت، ثم أسلم إليها الورقة وأتمتع بالسعادة عندما أراها تبتسم لي شاكرة، ولكني لم ألبث أن سخرت من هذه الفكرة، وبدا لي أنها لا تزيد على محاولة تمثيلية سخيفة، ثم ماذا يكون لو أن منى سألتني كيف حصلت على الورقة؟ أأحكي لها كل ما صنعت، وأني دفعت الجنيهات المائة ثمنا لها؟ وهل يليق أن أذهب إلى هناك بعد الساعة الثامنة مساء؟ وخطر لي أن أبادر بالسفر إلى القاهرة في قطار الصباح الباكر بغير أن أخبر منى بشيء مما حدث ، وتأملت مقدار السعادة الكبرى التي أفوز بها إذا علمت منى من تلقاء نفسها فيما بعد بأنني أديت لها هذه الخدمة الجليلة في صمت بغير أن أنتظر منها جزاء، ولكني سخرت من هذه الفكرة أيضا، وبدا لي أنها أقرب إلى أن تكون إمعانا في الرياء.

وضاق صدري من هذه المجادلات الداخلية الجوفاء، فأعدت قراءة الورقة ثم مزقتها قطعا صغيرة في بطء وذهني سادر، وألقيت بالقطع في سلة المهملات، وقمت لأنزل حتى لا أبقى في الحجرة المغلقة وحدي، واتجهت إلى بيت صاحبي عبد الحميد، وجلسنا في المنظرة المألوفة، وكانت نظرة صاحبي تحمل معنى الدهشة وابتسامته تدل على التساؤل.

وقال في نغمة عتاب: أنت هنا منذ أيام؟

فقلت: منذ يومين اثنين ولكنهما كانا ممتلئين.

وأخذت أقص عليه ما حدث منذ عدت إلى دمنهور.

فقال مبتسما: حسن جدا يا دون كيشوت.

Página desconocida