146

فقال مترددا: لو كان لي شرف لحلفت لك به أن هذه هي الورقة التي تريدها.

وهز ورقة قذرة في يمينه.

فقلت متكلفا الهدوء: إذن نعود إلى غرفتي لأرى الورقة وأعطيك ما تريد.

فقال في عنف وحشي ووقاحة: لع يا سيدي! سأنتظر هنا المائة جنيه أولا.

وأدركت ما يقصد من ذلك، ولم أعجب من أن مثله يخشى أن يدخل معي خوفا من أن أحبسه في غرفتي وأغتصب منه الورقة، وقلت له هادئا: إذن فانتظر حتى أعود إليك.

ودخلت مسرعا فوثبت على السلم غير مصدق أنه ينتظرني حتى أعود، وكانت أمي مشغولة في حياكة ثوب لأختي، فاستعجلتها لتعطيني مائة جنيه من المدخر عندها، فقامت وهي تنظر إلي مستغربة ولكنها لم تسألني عن شيء، وذهبت إلى درج «الدولاب» الذي تحفظ فيه النقود، فأتت لي برزمة النقود كلها وقدمتها إلي وهي صامتة، فأخذت منها ورقتين من ذوات الخمسين جنيها، ورددت إليها الباقي، وأسرعت نازلا في لهفة، وشعرت بارتياح عظيم عندما وجدت حمادة ما يزال واقفا عند الباب، فمد يده إلي وأخذ الورقتين من يدي قبل أن يسلم ورقته ثم انصرف بغير أن يلتفت إلي.

ونظرت إلى الورقة التي في يدي لأرى ما هي، وتنفست نفسا عميقا عندما وجدتها ممضاة بالإمضاء التي أعرفها للسيد أحمد جلال، كانت ورقة زواج عرفي، ولم أستطع أن أقرأ من الأسماء التي عليها سوى اسم السيد المرحوم واسم مصطفى عجوة؛ لأن اسم الشاهد الآخر كان غير واضح المعالم كأن صاحبه أراد أن يستخفي.

وداخلني سرور لا أستطيع أن أصفه حتى لقد سألت نفسي: أأنا في حلم صوره لي التمني، أم أنا في يقظة حقيقية أقبض فيها بيدي على وثيقة يبلغ ثمنها مئات الألوف من الجنيهات، ومن فوقها سعادة منى وسمعة السيد أحمد جلال؟ وقفت ثابتا في مكاني قريبا من باب البيت لا أدري ماذا أفعل، وخلا ذهني من كل فكرة كأنه توقف عن الحركة، وأخرجت ساعتي فوجدت أنها صارت الثامنة من المساء، ولكن ذلك لم يحمل إلى فكري معنى، وأغلقت الباب ورائي، وصعدت إلى غرفتي، وأخذت أقرأ الورقة حرفا حرفا لأستوثق من أنها هي الورقة المطلوبة، وجاءت أمي عندما سمعت حسي، فقالت في هدوء: من كان معك يا سيد؟

فقلت: حمادة الأصفر.

فقالت في صيحة مكتومة: وهذه الجنيهات له؟

Página desconocida