Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Géneros
ما إن انتصبت ذات الهمة فجأة جالسة في منتصف فراشها حتى فقدت صوابها وهي ترقب ما حل بها، فأيقنت تماما ما حدث، فنشبت أظافرها في جدائل شعرها، مشيرة بذراعها كله إلى حسامها صارخة: سيفي ... مرزوق.
استدارت جاريتها العجوز الرباب وقد استبد بها الفزع من ثورتها وغضبها، محتارة أيهما تسرع في تنفيذه؛ السيف المعلق إلى جانب الفراش، أم الإسراع في استدعاء مرزوق، أينما كان.
ولم تمهلها ذات الهمة، بل هي اندفعت من فورها نازلة عن فراشها، مختطفة حسامها من غمده، منطلقة صارخة في أبهية قصرها بملابس النوم : مرزوق، مرزوق.
بهتت الوصيفات والجواري مما ألم بالأميرة الغاضبة، وأسرعن منطلقات هنا وهناك بحثا عن مرزوق الذي لم يسبق له الابتعاد لحظة عن ذات الهمة، ملازما لها كظلها أينما تواجدت، وتحت أي سماء.
بل إن ما أعجز ذات الهمة، وألهب غضبها، وضاعف من مرضها وهزالها حقا، ليس ما فعله الحارث بها، بل ما أقدم عليه خادمها وصديقها المقرب «مرزوق»، حين تذكرت ذات الهمة لحظة التغير المفاجئ الذي اعتراها كمثل ومضة مشعة في سماء ليل ثقيل الظلمة.
وهي لحظة لن يغيب أبدا مداها العميق عن ذاكرة ذات الهمة ووعيها، مهما واصلت الحياة والتنفس وخوض المعارك، وتلقي أخبار الهزائم والانكسارات، وما تتطلبه الحرب من خداع ومؤامرات، حتى لو استدعى الأمر التنكر تحت جلد الروم بغية التسلل إلى قلاع الأعداء واحتلالها.
هي لحظة تسطع لتخبو في ذات الوقت وكأنها مولود عانى ارتعاشة موته المصاحبة لمولده.
لحظة أن ترجلت عن جوادها مع مدخل عشاء البارحة فاغرة فاها تعبا: عطشانة، فقدم إليها
إلا أنها لم تتراجع عن تجرع كأسها من يد مرزوق، وكيف لفاطمة أن ترد لمرزوق صديق صباها، وعطر طفولتها كأس علقم أو سما قابضا لكل حياة؟ كيف لها أن تراودها الشكوك فيمن تبادل معها لبن الأم؟!
إذن لما عاد في هذا العالم الفسيح المتلاطم خبرا يرجى، ولتمرح مخلوقات الخيانة وحيواناتها وجراثيمها لترتع في كل جسد، وتومض في كل عين عبر اللحظة الخاطفة، التي تقود كل منا من كبير إلى حقير إلى مهان، إلى حتفه وسقوطه من أعلى عطائه وتألقه.
Página desconocida