لتركت لك جفتك، ولكن لا بأس هذا تذكار منك ...
ثم قلبه وقرأ ما كتب عليه بالحرف اللاتيني وقال: فبركة ممتازة. هذا يبقى عندي لأذكرك به. أما الخنجر فيبقى لك؛ لأنك لا تستطيع أن تستعمله متى بعدنا عنك. خاطرك يا مير. اسأل عنا خاطر الوالد، وقل له: الشدياق سركيس لا يخرج من لبنان كما خرجت أنت، ولا يستعين بأحد من الغرباء على أميره كما استعنت أنت. الشدياق سركيس لا يخون عمه ولا يقتله، كما فعلت أنت، ولا يعمي ولا يقطع الأيدي والألسنة ولا يشوه خلقة الله. قل له: الشدياق سركيس يظل يحاربك في لبنان، ومن يصبر إلى المنتهى يخلص، كما قال آخر شهداء قهوتكم المطران يوسف اسطفان في آخر وعظة.
شباب! تهيئوا. إن تجارتنا بالفحم ربت لنا أعظم ثروة. خاطرك يا سيدنا.
وكان الأمير صامتا كالصخر الجالس عليها.
ظل قاعدا ينظر إليهم وهم يتمشون في الجبل متجهين نحو الشرق كأنهم الأفاعي التي لا تزلق.
وبقي الأمير في مجلسه نحو نصف ساعة صامتا معقود اللسان، كأنه زكريا
34
حين خرج من الهيكل. وبعد ذلك الصمت الطويل قام وهو يقول ما لم يفهم.
مشى المير وقد أنسته الكارثة الفتى المشدود كتافا، فصاح هذا به: نسيتني يا سيدي؟
فتنهد المير، ثم سار نحوه متعثرا بأذيال عباءته، وفك كتافه وسارا معا، حتى إذا مرا «بالطويل» المضرج بدمائه على حصى النهر البيضاء، ترحما عليه ...
Página desconocida