قالت: فجعل الناس يجدون في السير، فقال لي صاجبي: جدي في السير، ألا ترين الناس قد سبقونا، قالت: فكنت أجد في السير، وأسوق الأتان فتمشي على المجهود منها كأنما تنزع يديها ورجليها من الوحل نزعا من شدة الضعف، قالت: فجعلت لا أمر بشيء إلا استطال إلي فرحا، ونادتني الأشياء من كل مكان هنيئا هنيئا لك يا حليمة، قالت: فكنت لا أقدر أمر وحدي لما أسمع من النداء من كل جانب، والعجائب حولي.
فبينا أنا كذلك إذ برز إلي من الشعب بين الجبلين رجل كالنخلة الباسقة وبيده حربة تلوح تلمعا من النور؛فرفع يده اليمنى فضرب بطن الحمارة ضربة ونادى مري يا حليمة بكل سلاماتك قد أنزل الله جل ذكره بشاراتك مري، فقد أمرني الرحمن جل ثناؤه أن ادفع اليوم عنك كل شيطان مريد، وجبار عنيد، قالت: فقلت لصاحبي: يا فلان، هل ترى ما أرى؟ وتسمع ما أسمع، فيقول: لا، مالك كالخائفة الوجلة، قالت: فخفت أن لا ألحق من قومي أحدا، فجعلت أسير حتى نزلنا جميعا متوافقين كلنا على فرسخين من مكة.
Página 63