فالإنسان يجوز أن يريد اليوم شيئا ثم يتأخر إنجازه، لنقص الوسيلة أو لعارض طارئ أو لعدول عن الإرادة، وكل ذلك ممتنع في حق الله.
وقد أفرط أرسطو في هذا القياس حتى قال: إن الله جل وعلا لا يعلم الموجودات لأنها أقل من أن يعلمها.
وإنما يعقل الله أفضل المعقولات، وليس أفضل من ذاته، فهو يعقل ذاته، وهو هو العاقل والعقل والمعقول، وذلك أفضل ما يكون.
والعقل بالنسبة إلى الله يخالف العقل بالنسبة إلى غيره من الموجودات الفانية، فإن الإنسان يعقل الجزئيات بعد وقوعها ثم يعقل الكليات بعد استقصاء الجزئيات، ويلزمه ذلك لأنه يعلم بعد جهل ويتوقف علمه على المعلوم، وليس علم الله متوقفا على ما عداه.
وكل صفة من صفات الله فهي تتعلق به ولا تتعلق بغيره، وهي قائمة به ولا تقوم على غيره، ومن هذه الصفات الإرادة والعلم كما تقدم، ومنها الكرم والرحمة والخير والعدل والحكمة وسائر صفات الكمال.
فالله لا يريد العالم؛ لأنه لا يحتاج إليه.
ولكن العالم يريد الله؛ لأنه متوقف عليه.
ويسأل السائل: إذن كيف يكون هذا التوقف إن لم يكن بعمل من أعمال المشيئة الإلهية في الجملة والتفصيل؟
وجواب أرسطو على هذا السؤال أنه يكون بسعي الناقص إلى طلب الكمال، أو بسعي الموجودات إلى التشبه بعلتها الأولى، فالله أعطاها العقل، والعقل يبعث فيها الشوق إلى مصدرها الأول. فتتحرك وتعلو بالحركة، أو تكسب في كل حركة صورة أرفع من صورتها، وحظا من الكمال أرفع من حظها، تقربا إلى الصورة التي لا تشوبها شائبة من عجز المادة أو الهيولى، وهي الصورة السرمدية الكاملة: صورة الله. •••
ولا يفهم معنى هذا الارتفاع إلا إذا فهم معنى الصورة في مذهب أرسطو فالصورة في مذهبه هي حقيقة الشيء وماهيته التي يقوم بها وجوده، وليست هي شكله البادي للعين أو تمثاله الملموس باليدين.
Página desconocida