وقال الرقاشي:وهو الأشهر أن يونان ابن يافث بن نوح، وليس من العرب ولا (الروم)، وإنما جاور الروم على ساحل (البحر الرومي)، وكان وسيما حسن العقل كثير الهمة، وأقام هناك حتى كثر ولده، فخرج يطلب موضعا يسكنه، فانتهى إلى مدينة بالغرب، يقال لها: (قنينة)(1) فبنى بها قصورا ثم مات فاستولى ولده على بلاد الغرب من ناحية (إفرنجة) و(الصقالية) ومن جاورهم، ولما دخل بخت نصر على (مصر) دخل بلاد المغرب(2) ووصل إلى (بلاد اليونان) وقرر عليهم أن يؤدوا الخراج إلى (بلاد فارس)، واستقر ذلك إلى أيام الإسكندر، وقد قيل: إن أول من اختط بلاد الغرب أندلس بن يافث، وكانت (اليونان) لا ترى الحرب لضرره وشغله عن العلوم، فلما نزلوا الأندلس وعمروها حسنت غاية ما يكون واختطوا دار الملك والحكمة طليطلة لتوسطها فنظروا فإذا ليس من يحسدهم على رغد العيش إلا أهل الشقاء وهم حنيئذ العرب والبربر والبربر بالقرب منهم وليس بينهم إلا تعدية البحر فأرصدوا إرصادا، وكان بنوحي غرب الأندلس ملك يوناني وله ابنة جميلة خطبها(3) ملوك الأندلس، فخشي إن زوجها أحدهم سخط عليه الآخرون فاستشارها والحكمة مركبة في طبعهم ولذلك قيل: نزلت الحكمة من السماء على أدمغة اليونان، وأيدي الصين، وألسنة العرب، فقالت(4): أطلب أن يكون ملكا حكيما فسكت من لم يكن حكيما، وكان فيهم حكيمان، فقالت: أطلب من أحدكما(5) إدارة رحا بالماء العذب الجاري من ذلك البر.
ومن الثاني: طلسما تحصن به أرضنا من (البربر) فأيهما فرغ أولا مما طلبت تزوجته، فعمد صاحب الرحا إلى خرز عظام من الحجارة، ونضد بعضها إلى بعض في البحر المالح الذي بين الجزيرة والبر الكبير، وجلب الماء العذب من موضع عال بالبر الكبير في ساقية، وبنى بالجزيرة رحا على الساقية.
Página 71