299

La perfección en los principios de los juicios

الإحكام في أصول الأحكام

Editorial

المكتب الإسلامي

Número de edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

(دمشق - بيروت)

Géneros

Usul al-Fiqh
أَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، كَقَوْلِنَا: الْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مُحْدَثًا، وَالْمَوْجُودُ لَا يَكُونُ مَعْدُومًا، فَإِنَّهُ (١) لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُصُولِ مُقَدِّمَتَيْنِ فِي النَّفْسِ.
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَامِعٌ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَاقِعَةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِلَفْظٍ مَنْظُومٍ، وَلَا إِلَى الشُّعُورِ بِتَوَسُّطِهِمَا وَإِفْضَائِهِمَا إِلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ، كَالشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى مِنَ الشِّيعَةِ.
وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى تَفْصِيلِ الْمَذَاهِبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حُجَجِهَا، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ.
أَمَّا حُجَجُ الْقَائِلِينَ بِالضَّرُورَةِ، فَأَوَّلُهَا وَهِيَ الْأَقْوَى، أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ، لَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، كَالصِّبْيَانِ وَالْعَوَامِّ. وَهُوَ وَاقِعٌ لَهُمْ لَا مَحَالَةَ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصِّبْيَانَ وَالْعَوَامَّ الَّذِينَ يَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مِثْلِ هَذَا الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِيمَا عَدَاهُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْغَامِضَةِ، كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَوُجُودِ الصَّانِعِ وَنَحْوِهِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ مُنْقَسِمٌ إِلَى مَا مُقَدِّمَاتُهُ الْمُفْضِيَةِ إِلَيْهِ نَظَرِيَّةٌ، فَيَكُونُ خَفِيًّا، وَإِلَى مَا مُقَدِّمَاتُهُ الْمُفْضِيَةُ إِلَيْهِ ضَرُورِيَّةٌ غَيْرُ نَظَرِيَّةٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ مِنَ الْقَبِيلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِ الْمُخْبِرِينَ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ بِمُخْبَرِهِمْ حَاصِلَةً بِالضَّرُورَةِ لِلصِّبْيَانِ وَالْعَوَامِّ، وَيَكُونُ (٢) الْعِلْمُ بِالنَّتِيجَةِ اللَّازِمَةِ عَنْهَا ضَرُورِيًّا.
وَإِنَّمَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ الْمَذْكُورَةُ أَنْ لَوْ بَيَّنَ أَنَّ الْعِلْمَ بِمُخْبَرِهِمْ مِنْ قَبِيلِ مَا مُقَدِّمَاتُهُ نَظَرِيَّةٌ لَا ضَرُورِيَّةٌ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَى بَيَانِهِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ الْعِلْمَ بِوُجُودِ مَكَّةَ وَبَغْدَادَ وَالْبِلَادِ النَّائِيَةِ عِنْدَ خَبَرِ التَّوَاتُرِ بِهَا، مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ سَابِقَةَ فِكْرٍ وَلَا نَظَرٍ فِيمَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْعُلُومِ

(١) فَإِنَّهُ - تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ حَاصِلٌ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. . إِلَخْ.
(٢) وَيَكُونُ - الصَّوَابُ وَلَا يَكُونُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ قِسْمَيِ النَّظَرِيِّ السَّابِقَيْنِ أَوَّلَ الِاعْتِرَاضِ، وَلِمَا سَيَجِيءُ فِي الْحُجَّةِ الْأُولَى مِنْ حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِإِفَادَةِ الْمُتَوَاتِرِ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ.

2 / 19