Ahadith Mazini
أحاديث المازني
Géneros
قال: «ولكني جربت».
قلت: «ما أظن بك إلا أنك تخدع نفسك.. وهذا سنة الإنسانة أبدا عد إلى نفسك وحلل خوالجك بلا خوف من مواجهة الحقيقة ولا جزع ولا إشفاق.. اجعل من نفسك شخصا مستقلا.. طبيبا يفحص حالة ولا يعنيه إلا ما يهتدي إليه.. وانظر ما يكون.. ثم تعال وأخبرني.. وأنا واثق أن النتيجة ستكون مطابقة لما حدثتك به عن نفسي».
فوعد أن يفعل.. ولكنه لم يعد إلي.
الفصل الخامس والعشرون
كيف حفرت بئرا ... لنفسي؟
شقراء، ذهبية الشعر، لا أدري كيف أنبتتها هذه الصحراء؟ ومن بنات الفقراء، ولكن لها دالا وأناقة تخطئهما عند اللواتي نشأن في كنف النعمة والترف والثراء، وفي كلامها خفة وهزج، وفي مشيتها تبختر لا يثقل وميس ليس من الاختيال. وكانت ترسل شعرها الوحف ولا تفرقه أو تضفره أو تعقصه، بل ترده عن جبينها الوضاء وتحسر جمته عن أذن، وتستر به أذنا. ولا تثبته بالأمشاط أو الدبابيس، ولا تعصب رأسها بالمناديل، فإذا عبث به الهواء وأسال قصتها على وجهها رفعت الشعرات بأصبعها أو نحتها عن أذنها، وكنت لا أراها تبتسم إلا خيل إلي أنها ترى حلما يسرها فيثب قلبي إلى حلقي، وأجد حر النار في كفي.
وكان بيتي في ذلك الوقت على «تخوم العالمين» وكانت له حديقة صغيرة جعلتها شغلاني، وكان الماء كثير وثمنه زهيدا، لا يتجاوز خمسة عشر قرشا في الشهر بالغا ما بلغ ما أجريت منه، فكنت آخذ كفايتي منه وأسنه على وجهه للجيران، وكانت هذه الشقراء تجيء كل مساء بجرة فتملؤها مرة أو اثنتين أو عشرا - كما تشاء. فأقف لها وأحادثها وأساعدها على رفع الجرة إلى رأسها. ولم تكن هي الوحيدة التي تستسقي، ولكنها كانت أبرعهن شكلا وأخفهن على الفؤاد، وكانت تأنس مني الميل إليها والإعجاب بها، فتطيل الوقوف معي أحيانا، أو تتولى عني عزق الأرض أو بذر الحب أو سقي الزرع واجتزاز الكلأ والعشب والحشيش أو نزع ذلك بأصوله، وكانت أعرف مني بذلك كله وأخبر، وكانت تضحك مني لجهلي فتقول لي مثلا: «ألا تحش هذه الملوخية؟ لقط كادت تكتهل».
فأقول: «ملوخية؟ لقد طرحت هنا حب فجل فكيف تخرج الأرض ملوخية؟»
فتقول: «كلا، هذه ملوخية وقد بلغ نبتها المدى، فاختضرها
1
Página desconocida