Ahadith Mazini
أحاديث المازني
Géneros
في رأس السنة
دهش الثلاثة ووقفوا حيث هم - آذانهم مرهفة، وأحداقهم ثابتة وأنفاسهم معلقة، وكان الليلة ليلة العام الجديد - أو رأسه - وقد تهيأ حامد للخروج ولبس ثياب السهرة وأدار الراديو وراح يتمشى في الغرفة المفتوحة، فيمضي بها إلى العشاء والرقص والمرح.
وكانت الإذاعة في تلك اللحظة رواية متخيرة، ولكن حامد لم يكن باله إليها، وإنما أراد أن يغرق ضجات الطريق المتقطعة في ضجة أخرى أكبر لأنها أدنى لا تنقطع ولا تفتر فيألفها ويتسنى له أن يفكر، بعد أن تسكن أعصابه إلى وقعها المتصل، في أمره مع جارته، وفيما ينبغي أن يصنع ليحمل أباه العتيق الطراز على الرضى بما تقتضيه حياة العصر الجديد. ولم تكن به حاجة إلى أبيه، ولكنه لم يكن يريد أن يفسد بينهما الحال ن أو أن يضيف إلى عبء السنين التي يحملها، عبء الشعور بخيبة - إذا وسعه ألا يفعل، وكان أبوه في تلك اللحظة قد دخل بالمفتاح الذي أعطاه إياه حامد ليروح ويجيء كما يشاء. ولم يشعر به حامد لأن خواطره كانت تستغرقه، ولأن الراديو كان أعلى من يسمح بالالتفات إلى باب يفتح أو يغلق، ثم لأن الرجل لم يكد يرد الباب حتى وقف مذهولا فقد سمع ضحكات نساء ولغط رجال، وكان ريفيا ساذجا فيه ورع وتقوى، يعرف الراديو ويصغي بخشوع إلى ما يذاع من كتاب الله وقد يتفق أن يسمع بعض المقطوعات الموسيقية، ولكنه لم يشهد في حياته رواية تمثل، ولم يخرج عن عادته في التبكير في النوم إلا في الفلتات القليلة، فإذا كان قد وقف الآن مستغربا منكرا فلا شك أنه كان معذورا. ولم يكن يفهم شيئا من الأصوات التي تتأدى إليه أو يفطن إلى دلالة الكلام.
وكان المذيع يصف حركة «الروليت» بعد أن توضع النقود وتذهب العجلة تدور وتخفت الأصوات انتظارا لوقوف الكرة عند الرقم السعيد ولكن الرجل لم يكن يعرف أن هذا مذيع يصف للسامعين ما لا يرون، بل كان يظنه أحد رفقاء حامد ابنه في سهرة جمع فيها طوائف شتى من الرجال والنساء - نعم والنساء فما في هذا شك.. أليست هذه امرأة تقول: «أسرع يا ميمي. أسرع.. بين ال7 وال 8..».
وهذا صوت رجل يصيح: «لا لا لا.. هذا من حق لولو.. نعم فقد رأيت ما حدث.. البك نقل الورق عن موضعه بكلمة وهو لا يدري».
وها هي الفتاة تعود إلى الكلام مرة أخرى وتقول: «مرسي يا حبيبي.. ميل مرسي».
فيقول الرجل الأول - هو بعينه بالتأكيد فإن الصوت واحد : «العفو.. لقد رأيت كل شيء وإذا كنت تسمحين بأن أقدم إليك نصيحة رجل مجرب فنصيحتي أن تكفي عن اللعب فإن مثل هذه الغلطة تكون في العادة إيذانا بانتهاء حظ اللاعب».
لعب.. نصيحة.. حظ.. نساء ورجال.. ما معنى كل هذا يا ترى؟؟ في هذا وقف الرجل المسكين يفكر وكان يفكر في شيء آخر هو هل يدخل فيعرف الحقيقة كائنة ما كانت؟ أو يخرج فيدع ابنه لشأنه؟ ولكن كيف يستطيع أن يخرج ويدع ابنه؟.. وكيف يدخل ومعه نساء غريبات؟؟
ولم يكن هذا الأب الساذج هو الحائر الوحيد في تلك اللحظة، فقد كان هناك رجل آخر من طراز غير طرازه وجد باب المطبخ مواربا فتسلل منه ودخل على أطراف أصابعه وفي مرجوه أن يخفف عن صاحب البيت وعن نفسه أيضا - ولم يكد يبلغ باب الدهليز حتى صافح سمعه هذا اللغط الكثير المنبعث من غرفة الاستقبال، ولم يكن كالآخر ساذجا، فلم يلبث أن فطن إلى أن هاهنا ناسا يقامرون فسمرته الدهشة والحيرة، فقد كان يظن البيت خاليا فإذا هو عامر، بل غاص بالخلق. وكان سبب حيرته أن وجود هؤلاء اللاعبين جميعا يجعل فرصة الغنم في ليلته هذه أكبر. والورق أخف محملا وأخفى أمرا وحامله أقل تعرضا للاعتقال، ولكن كثرة الموجودين يجعل تعرضه للوقوع في المحذور، أشد، فماذا يصنع؟.. أيأخذ بالأسلم فيعود من حيث جاء؟ أم يذعن للإغراء فيبقى؟ ولاسيما والأرجح أن القوم يشربون وبعد قليل يسكرون؟ على أن الأمر خرج من يديه فقد جاء اللبان في هذه اللحظة ووقف بباب المطبخ كعادته ورفع صوته بكلمة واحدة ولكنها طويلة ممطوطة «لبن!» فريع الرجل ووثب ودار حول نفسه، فقال اللبان: «اللبن.. عايزين لبن الليلة؟» فمشى إليه الرجل كالمضروب على أم رأسه فعاد اللبان يسأله «عايزين لبن ولا إيه؟. ما ترد!»
فأفاق الرجل وأشار إليه وقال: «هس.. هس» فاستغرب اللبان وقال: «هس إيه؟. عايز لبن؟ أنت مين قبله؟
Página desconocida