الثقيف (1) وما شاكله. ولذلك صار الاسكنجبين (2) من أخص الأشياء وأبلغها منفعة في علاج الغلظ الكائن في جداول الكبد وعروق الطحال لأنه معين على تفتيح السدد العارضة فيها. ولذلك قال جالينوس: ومن فضيلة الاسكنجبين أنه مع ما ليس فيه من البشاعة والكراهة ما في أكثر الأشياء الملطفة، فإنه غير مضر بالمعدة بل ليس له بها اضرار أصلا إلا بمن قد أفرط على مزاج معدته اليبس. ولذلك صار من أبلغ الأشياء في التدبير الملطف، فان كان معمولا بخل العنصلان (3)، فاق سائر الأدوية الملطفة فضلا عن الأغذية. ومن قبل ذلك صار من الأفضل ألا يستعمل في علاج سدد الطحال خاصة من الاسكنجبين إلا ما كان معمولا بخل العنصلان، من قبل أن الطحال أكثر قبولا لمضرة الأشياء الحلوة من الكبد وذلك لجهتين: إحداهما: أن عروق الطحال أضيق، وفعل الطبيعة فيه أضعف من فعلها في الكبد، لان الكبد مسكنها ومنها ينبوعها. فلما اجتمع للطحال، مع ضيق مجاريه، ضعف فعل الطبيعة فيه، وجب أن تكون الحلاوة أشد إضرارا به منها بالكبد. والثانية: أن الطحال لما كان يجذب إليه عكر الدم دائما بالطبع، كان ذلك عونا على غلظ السدة المتولدة فيه. ولذلك احتاج في العلاج له إلى إسكنجبين العنصل لما فيه العنصلان من زيادة القوة على تقطيع الفضول اللزجة الغليظة.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: وإني لأشير على من أراد تلطيف فضول غليظة قد اجتمعت في بدنه ألا يعدل عن خل العنصلان وشرابه. واستشهد على ذلك بأسباب جرت على يديه بالتجربة، فقال: وإني لأعرف قوما لا يحصى عددهم صاروا إلى العافية والسلامة واستقامت لهم الصحة وخلصوا من أوجاع المفاصل باستعمالهم خل العنصلان وشرابه. إلا أنه ينبغي لمن أراد بلوغ غايته في ذلك بسرعة أن يجمع مع خل العنصلان حسن الرياضة وجودة التدبير في الأغذية الموافقة الملائمة للمغتذي، وتقدير أوقات استعمالها، ولا يهمل ذلك فيجمع الضار مع النافع، ويطول تعبه قبل بلوغ غايته ومراده.
فأما الحلاوة المنسوبة إلى العذوبة، فلما كان الأغلب على رطوبتها الجوهرية الكثرة والرقة، صارت أقل حرارة وأكثر رطوبة من الحلاوة المحضة. ولذلك نقصت حلاوتها وتوسطت بين طعم التفاهة والحلاوة وقربت من طعم الماء. والدليل على ذلك أنا نجد جميع الرطوبات الحلوة إذا خالطها الماء نقصت حلاوتها، وكلما غلب الماء عليها ازدادت حلاوتها نقصانا حتى حين (4) تقرب من طعم الماء.
ومن قبل ذلك صار ثمر الأشجار القصار القريبة من الأرض أقل حلاوة وأكثر مائية من ثمر الأشجار الشامخة البعيدة من الأرض، من قبل أن الرطوبة المغذية للثمار المتصاعدة إليها من أرحام الأرض تصل إلى ما قرب من الثمر من الأرض قبل كمال نضجها وانعقادها، ذلك لقرب المسافة بين الأرض والثمر.
Página 39