فرفع قدح الشاي ليرميني به، ولكن أمي وثبت بيننا، ومضت بي إلى حجرتي. رأيت عينيها منذرتين بالدمع، وقالت لي: لا فائدة ترجى منه، فلا تحتك به. بودي لو نهجر البيت معا، ولكن أين نذهب؟ أين نجد مسكنا؟ ومن أين لنا بالنقود؟!
لم أجد جوابا. تبدت لي الحقيقة ببشاعتها وبلا رتوش؛ لقد أذعنت أمي مغلوبة على أمرها، وغلب أبي على أمره مهزوما بإدمانه؛ إنه مسئول ما في ذلك من شك، ولكنه مغلوب على أمره. إنه أكثر من ذلك، فإنه يبدو أحيانا بلا مبادئ على الإطلاق. إني أحتقره بقدر ما أرفضه؛ لقد جعل من مأوانا العتيق بيت دعارة. أنا أيضا ضعيف، ما دمت لا أجد ما أفعله إلا أن أذرف الدمع الغزير . •••
نجحت، غير أني لم أسعد بالنجاح كما ينبغي، لازمني الشعور بالعار، استقر بأعماقي حزن مقيم، هاجرت في العطلة الطويلة إلى دار الكتب، كتبت مسرحية، رجوت أبي أن يعرضها على سرحان الهلالي، ولكنه قال لي: إنه ليس مسرح أطفال.
تطوعت أمي بتقديمها إليه، رجعت بها بعد أسبوعين، وقالت لي: لا تتوقع أن تقبل أولى مسرحياتك، وما عليك إلا أن تعيد التجربة.
حزنت، ولكني لم أيئس، وكيف أيئس بعد أن لم يعد لي من أمل إلا المسرح؟ وصادفت ذات يوم الأستاذ فؤاد شلبي في قاعة المطالعة، فصافحني، وذكرته بنفسي، فرحب بي. وتشجعت بلطفه، وسألته: كيف أكتب مسرحية مقبولة؟
فسألني بدهشة: ما عمرك؟ - ماشي في السادسة عشرة. - في أي مرحلة تعليمية؟ - الثانوية بدءا من العام القادم. - ألا تنتظر حتى تكمل تعليمك؟ - أشعر بقدرة على الكتابة. - لكنك لم تفهم الحياة بعد. - عندي فكرة عنها لا بأس بها.
فسألني باسما: ما هي الحياة في نظرك؟ - هي معركة الروح ضد المادة.
فازدادت ابتسامته اتساعا وهو يتساءل: والموت ما موقعه من هذه المعركة؟
فقلت بثقة: هو الانتصار النهائي للروح!
فربت على منكبي، وقال: ليت الأمور بهذه البساطة، تلزمك تجارب كثيرة، ابحث أيضا عما يهم الناس ويثيرهم؛ إني أطالبك بخوض خضم الحياة، والانتظار عشرة أعوام على الأقل.
Página desconocida