وكان يقول: إن المؤمن كيس، نظر فأبصر، وتفكر فاعتبر، ثم عمد إلى دنياه فهدمها، وبنى آخرته، ولم يهدم آخرته لبناء دنياه، ولم يزل ذلك عمله حتى لقي ربه فرضي عنه وأرضاه، وإن المنافق عمد فنافس عن دنياه، وعمي عن آخرته، اتخذ الدنيا إلها، ويحه! ألها خلق؟ أم بالجمع لها أمر، سيعلم المغرور يوم {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام}.
ابن آدم! لا غناء بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فعليك به؛ فإنه سيأتي بك إلى نصيبك من الدنيا، فينظمه لك نظما يزول معك حيث تزول.
وكان يقول: ابن آدم! وصفت لك الدنيا، وغابت عنك أمور الآخرة، وقرب منك الأجل، وأمرت بالعمل، وحق الله ألزم لك، فاعمل لمعادك، فلن يرضى ربك منك إلا بأداء ما فرض عليك.
ابن آدم! إذا رأيت الناس في خير، فنافسهم، وإذا رأيتهم في هلكة من طلب الدنيا، فذرهم وما اختاروا لأنفسهم، ولقد رأيت أقواما آثروا عاجلتهم على آجلتهم، ودنياهم على آخرتهم، فافتضحوا، وذلوا، وهلكوا ، وعوقبوا بموت القلوب.
وكان يقول: عقوبة العلماء موت قلوبهم؛ لطلبهم الدنيا بعمل الآخرة.
وكان يقول: أيها المغرورون! إنما الدنيا جيفة ينهشها عشاقها، فهي تقتل بعضهم ببعض، وهم لا يشعرون، من ركن إليها، ذل واقتصر، ومن زهد فيها، عز واقتدر.
وقيل: مر الحسن برجل وهو ينشد:
فإما ليس بي قبح ولكن ... عسى يغتر بي حمق لئيم
فقال: الله أكبر! وايم الله! لو كان للدنيا شعر، لكان هذا.
Página 72