عليها، ففي مبحث العبرة بالمقاصد والنيات مهَّد له ببيان أن الله تعالى رتَّب الأحكام على الإرادات والمقاصد بواسطة الألفاظ الدالة عليها، ولم يرتِّب تلك الأحكام على مجرّد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول، ولا على مجرد ألفاظ لم يقصد المتكلم معانيها، بل تجاوز للأمة عن ذلك كله، وتجاوز لها عما تكلَّمت به مخطئة أو ناسية أو مكرهة أو غير عالمة، لأن هذه الأمور لا تدخل تحت الاختيار، فلو رتَّب عليها الأحكام لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة (٣/ ٥٩٢ وما بعدها).
وعند مناقشة نفاة القياس ذكر قاعدتين، أولاهما: أن النصوص الشرعية محيطة بجميع أفعال المكلفين (٢/ ١٤٥)، والثانية: أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس، وأطال في ذلك (٢/ ٢٣٣). وهناك أمثلة أخرى كثيرة مبثوثة في الكتاب مهَّد فيها بذكر قواعد للمسائل توطئةً لها، وأرشد المفتي أيضًا إلى ذلك فقال: «إذا كان الحكم مستغربًا جدًّا مما لم تألفه النفوس، وإنما ألِفَتْ خلافه، فينبغي للمفتي أن يوطّئ قبله ما يكون مؤذنًا به كالدليل عليه والمقدمة بين يديه» (٥/ ١٤).
وقد أولى المؤلف اهتمامًا كبيرًا بمقاصد الشريعة وإبراز محاسنها واشتمالها على الحكمة والعدل والمصلحة، وأنها ألصق بالعقول السليمة والفطر المستقيمة، مما يدلُّ على كمالها وبقائها. ومما قاله بهذا الصدد: «الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليس من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل» (٣/ ٤٢٩).
المقدمة / 50