الذي سوَّغه الصحابة واستعملوه، وأقرَّ بعضهم بعضًا عليه» (١/ ١٨٤).
وقد أرشد المفتي إلى أن يذكر الدليل في فتياه فقال: «ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك، ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عَطَنه وقلة بضاعته في العلم» (٥/ ١١). وردَّ على من عاب الاستدلال في الفتوى فقال: «عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى، وهذا العيب أولى بالعيب، بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل، فكيف يكون ذكر كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والقياس الصحيح عيبًا؟ وهل ذِكر قول الله ورسوله إلّا طراز الفتوى» (٥/ ١٧٨).
وقد أكثر من ذكر الأدلة ووجوه الاستدلال بها في بعض المسائل الأصولية والفقهية فأطال في بيان حجية القياس والرد على نفاة القياس بوجوه كثيرة، واستدلَّ على تحريم التقليد بواحد وثمانين دليلًا، واستدلَّ على قاعدة سدّ الذرائع بتسعة وتسعين دليلًا، واستدل على حجية قول الصحابي بثلاثة وأربعين دليلًا.
وهكذا توسَّع في ذكر الأدلة والوجوه في بعض المسائل الفقهية «فكان إذا فتح بابًا من أبوابها يستوعب الكلام فيه، ويطيل ذيوله، ويوسِّع فيه المقال، ويكثر فيه من الشواهد والأمثال، ويتكلم في مآخذه ويقول، ويصول في مداركه ويجول، ولا يترك شاردة ولا واردةً إلا ذكرها. وذلك بذكر مذاهب الأئمة، وبسط الأدلة، ومأخذ الخلاف، ومناقشة الآراء، ومأخذ الأقوال وما لكل قول وما عليه، وما هو الصواب من ذلك الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة وآثار سلف الأمة، مما يدلُّ على سعة علمه ومعرفته بالخلاف، وإحاطته
المقدمة / 47