Abu Shuhada Husayn Ibn Ali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Géneros
فحب به جسما إلى الأرض إذ هوى
وحب به روحا إلى الله تعرج •••
وقد أصاب ابن الرومي الوصف والتعليل، فما كان كل من يحيى ولا أسلافه من قبله إلا عليا صغيرا يتأسى بعلي الكبير، أو غصنا زاكيا يخرج من دوحته الكبرى، «والغصن من حيث يخرج» كما قال، ولولا قوة هذه الطبائع في أساس الأسرة الطالبية لما انحدرت على هذه الصورة الواضحة بعد ستة أجيال، فنحن نرى يحيى بن عمر بعد هذه الأجيال - وهو بعموده الحديدي وجرأته التي لا تتزعزع ويقينه الذي لا يلوي به الإغراء والوعيد - كأنما هو نسخة أخرى من جده الكبير الذي يحمل باب خيبر وقد أعيا حمله الرجال، وينهد لعمرو بن ود وقد تهيبه مئات الأبطال، ويتوسط الصفوف حاسرا وقد برزوا له بشكة القتال ودروع النزال.
ولم يكن لبني أمية - على نقيض هذا - نصيب ملحوظ من الخلائق المثالية والشمائل الدينية، ولا كان ظهور النبوة في أسرة منافسة لأسرتهم من شأنه أن يعزز مناقبها فيهم كما يعتز بها أبناء بيتها وفروع أرومتها؛ بل لعله كان من شأنه أن يجنح بهم من طرف خفي إلى صفات تقابل تلك الصفات، ومزايا تعوض لهم ما فاتهم من تلك المزايا، فتمكنت فيهم قبل ظهور النبوة وبعدها خلائقهم العملية التي دربتهم عليها المساومات التجارية، وراضهم عليها مراس المطامع السياسية، فاشتهر أناس من رءوسهم بمحاسن هذه الخلائق ومعائبها على السواء، وشاعت عنهم صفات الحلم والصبر والحنكة والدهاء كما شاعت عنهم صفات المراوغة والجشع والإقبال على الترف ومناعم الحياة. •••
ولقد تقابل الحسين بن علي ويزيد بن معاوية في تمثيل الأسرتين، كما تقابلا في كثير من الخلائق والحظوظ، ولكنهما تفاوتا في تمثيل أسرتيهما كما تفاوتا في غير ذلك من وجوه الخلاف بينهما، فكان الحسين بن علي نموذجا لأفضل المزايا الهاشمية ولم يكن يزيد بن معاوية نموذجا لأفضل المزايا الأموية؛ بل كان فيه الكثير من عيوب أسرته، ولم يكن له من مناقبها المحمودة إلا القليل.
وليس بنا هنا أن نفصل القول في أحوال كل من الرجلين وخصائص كل من النموذجين، ولكننا نجتزئ منهما بما يملأ الكفتين في هذا الميزان، وهو ميزان الأريحية والنفعية في حادث كبير من حوادث التاريخ العربي يندر نظيره في جميع التواريخ.
مكانة الحسين
وإذا كانت المعركة كلها هي معركة الأريحية والنفعية، فالمزية الأولى التي ينبغي توكيدها هنا للحسين بن علي - رضي الله عنه - هي مزية نسبه الشريف ومكانه من محبة النبي
صلى الله عليه وسلم .
إن المؤرخ الذي يكتب هذا الحادث قد يكون عربيا مسلما أو يكون من غير العرب والمسلمين، وقد يؤمن بمحمد أو ينكر محمدا وغيره من الأنبياء، ولكنه يخطئ دلالة الحوادث التاريخية إذا استخف بهذه المزية التي قلنا إنها أحق مزايا الحسين بالتوكيد في الصراع بينه وبين يزيد.
Página desconocida