فأدركت أن الرجل يحاورها بمكر التاجر الخبيث، وامتلأت حنقا عليه ولكنها دارت حنقها لحاجتها إليه، وسألته: ما هو؟ - أن أركب لك طقما ذهبيا، فهذا يمكن تركيبه عقب الخلع مباشرة.
وانقبض قلبها خوفا، وراحت تفكر في تكاليف الطقم الذهبي. وكادت تنبذ اقتراح الرجل لولا أن تذكرت العروس المرتقب؛ إذ كيف يمكن أن تلقى عروسها بهذا الفم الخرب؟ كيف تؤاتيها شجاعتها على الابتسام إليه؟ وكان من المعروف لدى أهل الزقاق جميعا أن أسعار الدكتور بوشي هينة، وأنه يستبضع طقومه من هنا وهناك بمهارة ويبيعها بأبخس الأثمان، فلا يسأل من أين يأتي بها، وبحسبهم رخصها. ولكن الطقم الذهبي - على رغم هذه الحقائق جميعا - شيء له خطره، فلذلك تخوفت المرأة التي ألفت الحرص، وسألته بغير احتفال شأن المستهين باقتراحه: وكم يكلفني الطقم؟
فقال الدكتور الذي لم يخدع باستخفافها الظاهري: عشرة جنيهات؟
وانزعجت المرأة التي تجهل الأثمان الحقيقية للطقوم الذهبية ورددت قوله في إنكار: عشرة جنيهات!
وتميز الرجل غيظا وقال: إن ثمنه لا يقل عن خمسين جنيها عند أولئك الأطباء الذين يتاجرون بفنهم؛ ولكننا وا أسفاه قوم سيئو الحظ.
وتجاذبا الثمن الذي اقترحه؛ هو يحاول أن يستمسك به، وهي تروم خفضه، حتى تم الاتفاق على ثمانية جنيهات، وغادر الدكتور الشقة وهو يلعن في سره العجوز المتصابية.
وكانت الست سنية عفيفي، تلك الأيام، تلقى الحياة بوجه جديد، كما كانت الحياة تطالعها بوجه جديد كذلك .. بات الأمل السعيد قاب قوسين أو أدنى، وأصبحت الوحدة ضيفا ضعيف الظل يأخذ أهبته للرحيل، وأوشكت البرودة الجاثمة في روحها أن تذوب وتجري ماء دافئا. بيد أن السعادة لا تنهل بغير ثمن، وبغير ثمن فادح أيضا. ولقد عرفت هذا الثمن الفادح في ترددها على محال الأثاث بشارع الأزهر، ومعارض الثياب بالموسكي. ومضت تنفق مما اكتنزت ذاك الدهر الطويل، بل وتنفق بغير حساب. وكانت أم حميدة لا تكاد تفارقها في حلها وترحالها، وأثبتت لها بمهارتها الفائقة، وبما تقدم لها من معونة في كل خطوة تخطوها، أنها كنز نفيس لا يقدر بثمن، وإن كان باهظ التكاليف في الوقت نفسه. ولم تقبض عنها يدها معللة نفسها بوشك انتهاء هذه المحنة. على أن الأثاث والثياب لم تكن كل شيء، ولم يكن بيت العروس الشيء الوحيد الذي يستوجب التجديد؛ وإنما كانت العروس نفسها تستوجب الرعاية والعناية والترميم، وقد قالت يوما لأم حميدة وهي تضحك في غير قليل من الارتباك: يا ست أم حميدة، ألا ترين أن الهموم قد أشعلت الشيب في سوالفي؟!
فقالت أم حميدة التي كانت تعلم أن الهموم بريئة مما ترميها به: نداوي الهموم بالصبغة، وهل توجد ثمة امرأة لا تصبغ شعرها في زماننا هذا؟
فضحكت المرأة بسرور وقالت: بورك فيك يا ست النساء كلهن، ترى ماذا كنت أفعل بحياتي لولاك أنت؟
وتريثت قليلا، ثم مسحت على صدرها وقالت: رباه، هل يرضي هذا الجسد الجاف عروسك الشاب؟ .. ولا أثداء ولا أرداف ولا شيء مما يجذب الرجال!
Unknown page