فقال الرجل بحماسة: تعب كلها الحياة حقا، ولكن من النادر جدا أن ينال التعب الجزاء الذي يستحقه، فما أكثر العاملين المظلومين في هذه الدنيا!
فشد هذا الكلام على وتر حساس في قلب الفتى وقال بتبرم: صدقت يا سيدي، ما أكثر العاملين المظلومين في هذه الدنيا! - الصبر مفتاح الفرج. أجل ما أكثر المظلومين! ومعنى هذا بالحرف الواحد ما أكثر الظالمين! ولكن من لطف الله أن الدنيا لا تخلو من رحماء كذلك.
فتساءل الفتى: أين هؤلاء الرحماء؟
وكاد يجيبه: «ها أنا ذا واحدا منهم.» ولكنه أمسك عن ذلك، وقال بلهجة العاتب: لا تكن متشائما يا بني فأمة محمد بخير، (ثم غير لهجته قائلا) علام تسرع؟ أمستعجل أنت؟! - ينبغي أن أذهب إلى البيت لأغير ملابسي.
فسأله باهتمام: وبعد ذلك؟ - أنطلق للقهوة. - أية قهوة؟ - قهوة رمضان.
فابتسم المعلم ابتسامته الآلية حتى لمعت أسنانه الذهبية في الظلمة، وتساءل في إغراء: لماذا لا تشرف قهوتنا؟ - أية قهوة يا سيدي؟
فاخشوشن صوت المعلم وهو يقول: قهوة كرشة بالمدق، محسوبك المعلم كرشة!
فقال الفتى بامتنان: تشرفنا يا معلم، هذه قهوة ذائعة الصيت.
فسر المعلم، وسأله بلهجة تشي بالرجاء: أتأتي؟ - إن شاء الله.
فقال المعلم كمن نفد صبره: كل شيء بمشيئة الله؛ ولكن أتنوي الحضور حقا أم تقول ذلك تملصا مني؟
Unknown page