دبر الأتراك مؤامرة لقتل المهتدي؛ لأنه لم يعجبهم في نزعته. وانتشر الخبر في العامة أنهم قد اتفقوا على خلع المهتدي والفتك به، وأنهم قد أرهقوه، فكتب العامة الرقاع ورموها في الطرق والمساجد مكتوبا فيها: «يا معشر المسلمين ادعوا الله لخليفتكم العدل الرضا المضاهي لعمر بن الخطاب أن ينصره الله على عدوه، ويكفيه مؤنة ظالمه، ويتم النعمة عليه وعلى هذه الأمة ببقائه، فإن الأتراك قد أخذوه بأن يخلع نفسه.»
ولما وصل خبر المؤامرة إلى المهتدي تحول من مجلسه متقلدا سيفا، وقد لبس ثيابا نظافا وتطيب، ثم أمر بإدخال هؤلاء الأتراك المتآمرين عليه، فقال لهم: «بلغني ما أنتم عليه ولست كمن تقدمني مثل المستعين والمعتز، والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط، وقد أوصيت إلى أخي بولدي، وهذا سيفي، والله لأضربن به ما استمسك قائمه بيدي، والله لئن سقطت مني شعرة ليهلكن وليذهبن أكثركم، أما دين! أما حياء! أما رعية! كم يكون هذا الخلاف على الخلفاء والإقدام والجرأة على الله، سواء عليكم من قصد الإبقاء عليكم، ومن كان إذا بلغه هذا عنكم دعا بإرطال الشراب فشربها مسرورا بمكروهكم وحبا لبواركم، خبروني عنكم هل تعلمون أنه وصل إلي من دنياكم هذه شيء؟ أما أنك تعلم يا بايكباك أن بعض المتصلين بك أيسر من جماعة إخوتي وولدي؟! تعرف ذلك فانظر هل ترى في منازلهم فرشا، أو وصائف أو خدما أو جواري أو لهم ضياغ أو غلات؟ سوأة لكم!»
28
ولكن ماذا يغني إشهار سيفه، والتهديد خطبته، وقد أراد أن يضرب الأتراك بعضهم ببعض حتى يخلص منهم جميعا، ولكنه لم ينجح في هذا أيضا، ودارت الدائرة عليه فقتلوه.
ومع هذا فقد كانت لحركة المهتدي أثر في استرداد البيت العباسي بعض سلطانه، وكان من أسباب ذلك أيضا انتقال الخليفة من سامرا - وهي حصن الأتراك - إلى بغداد، وفيها عناصر كثيرة تريد أن تحمي الخلافة من شرورهم؛ ولذلك رأينا سلسلة من الخلفاء بعده يقبضون على كثير من السلطان، ويموتون حتف أنوفهم، فقد تولى بعد المهتدي المعتمد؛ نعم إنه كان مسلوب السلطان محجورا عليه، وقال في ذلك أبياته المشهورة:
أليس من العجائب أن مثلي
يرى ما قل ممتنعا عليه
وتوكل باسمه الدنيا جميعا
وما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طرا
Unknown page