معاودة التتار البلاد جهز جيشه على عزم الجهاد وقدم عليهم أميرا من كبار أمرائه اسمه أرسلان دغمش فتوجه المذكور بالعساكر الرومية فكان بيجو نازلا على صحراء قونية فلما كان بعد توجه أرسلان دغمش بايام شرب السلطان عز الدين مسكر وتوجه الى بيت أرسلان دغمش وهو على حالة من السكر وقصد كبس حريمه والهجم عليهم فأرسلوا يخبرونه بذلك فقلق واغتاظ وقال أنا في خدمته قبالة عدوه وعدو الاسلام وهو يعاملني بهذه المعاملة ويهجم على حريمى فأزمع الخلاف والمغامرة وأرسل الى بيجو ووعده أنه يتخاذل عند اللقاء وينحاز اليه ويكون مساعدا له لا عليه فلما التقوا عمد أرسلان دغمش الى سناجق صاحبه فكسرها وولى هزيما فانهزم عسكر الروم واستظهر بيجو ومن معه وتوجه أرسلان دغمش اليه فكارشه وسلم عليه وحضر معه الى قونية وبلغ السلطان الكسرة فهرب من قونية إلى العلايا وأقام بها وأغلق أهل قونية أبواب المدينة فلما كان: يوم الجمعة أخذ الخطيب ما يملكه من ماله وحلى نسائه وأحضره معه إلى الجامع وارتقى المنبر فنادى في الناس قائلا يا معشر المسلمين نحن قد ابتلينا بهذا العدو الذي دهمنا وما لنا منه من يعصمنا فابذلوا أموالكم واشتروا نفوسكم بنفائسكم واسمحوا بما وعندكم لنجمع من بيننا شيئا نفدى به نفوسنا وحريمنا وأولادنا ثم بكى وبكى الناس وسمح كل أحد بما أمكنه فجهز الخطيب المذكور الاقامات وخرج الى مخيم بيجو فلم يصادفه لأنه كان راكبا في الصيد، فقدم الخطيب ما كان معه إلى الخاتون زوجته فقبلته منه وأقبلت عليه وأكل من المأكول وأكلت وقدم المشروب وأخذ منه شيئا على سبيل الششني فناوله شابا كان إلى جانبه ليذوقه فقالت له لماذا لا تشرب انت منه فقال لها هذا محرم علينا قالت من حرمه قال الله حرمه في كتابه العزيز قالت فكيف لم يحرمه علينا قال أنتم كفار ونحن مسلمون فقالت له أنتم خير عند الله أم نحن قال بل نحن قالت فاذا كنتم خيرا منا عنده فكيف نصرنا عليكم فقال لها هذا الثوب الذي عليك وكان ثوبا نفيسا مرصعا درا ثمينا أنت تعطينه لن يكون خاصا بك أو لمن يكون بعيدا عنك قالت بل أخص به من يختص بي قال فاذا أضاعه وفرط فيه ودنسه ما كنت تصنعين به قالت كنت أنكل به وأقتله فقال لها دين الاسلام بمثابة هذا الجوهر والله أكرمنا به فما رعيناه حق رعاينه فغضب علينا وضربنا بسيوفكم واقتص منا بأيديكم فبكت زوجة بيجو وقالت للخطيب من الآن تكون أبي وأنا أكون بنتك فقال ما يمكن هذا حتى تسلمي فأسلمت على يده وأجلسته الى جانبها على السرير فحضر بيجو من الصيد فهم الخطيب بالقيام ليلتقيه فمنعته المرأة وقالت أنت قد صرت حماه وهو يريد يجيء اليك ويخدمك فلما دخل بيجو الى خيمته قالت له هذا قد صار أبي فجلس بيجو دونه وأكرمه وقال لزوجته أنا عاهدت الله أنني اذا أخذت قونية وهبتها لك قالت وأنا قد وهبتها لأبي هذا ثم أمر بفتح أبواب المدينة وآمن أهلها ورتب على كل باب شحنة لحفظهم من التتار ورسم أن لا يدخلوها اذا كانت لهم حاجة الا خمسين نفسا خمسين نفسا لقضاء حوائجهم ثم يخرجون فلم يتعرضوا لأحد من أهلها بأذية فكان ذلك من ألطاف الله الخفية.
وفي هذه السنة توفي الشيخ أبو زكرياء يحيى بن أبي الروح السبتي في النصف من شوال منها.
والشيخ الإمام العلامة أبو عبدالله محمد بن عبدالله الأندلسي المرسي بين الزعقة والعريش وكان من أعيان العلماء وأئمة الفضلاء بارعا في علم العربية وتفسير القرآن الكريم وله مصنفات مفيدة ونظم رائق.
وتوفي الشريف الأديب أبو الحسن علي بن محمد الموسوي المعروف بابن دفتر خوان وله شعر حسن ومصنفات كثيرة
وتوفي الشيخ أبو جعفر بن الشيخ شهاب الدين أبي عبدالله عمر السهروردي
وتوفي بها أيضا الشيخ نجم الدين أبو محمد عبدالله بن أبي الوفاء البغدادي البادرائي الشافعي ببغداد عند عوده اليها من الديار المصرية فانه كان يترسل عن الديوان العزيز إلى الشام ومصر وقد ذكرنا وروده مرارا في الرسائل.
سنة ست وخمسين وستمائة
Page 33