فوق الكوميدينو إلى جوار السرير رأت زجاجة دكناء اللون مكتوبا عليها بالحروف اللاتينية، فياجرا
VIAGRA ، نسي أن يخبئها في الدرج الأسفل لمكتبه، أصبح ينسى أشياء كثيرة، تضعف ذاكرته مع التقدم في العمر. يكبرها بعدة أعوام، ينسى هذه الحقيقة أيضا، يتصور أنها من عمره أو أكبر منه سنا.
في المرآة رأت بدور الشعرات البيض في رأسها، تجاعيد خفيفة حول العينين، حول الفم، فوق الفكين والعنق، تغيرت عضلاتها، تهدلت، أصبحت أكثر رخاوة، كم أصبح عمرها؟
يعجز عقلها عن إدراك مرور الزمن، تدس قدمها في البانتوفلي الناعم، من أجل نعومة الحياة تخلت بدور عن حياتها، عن أغلى ما في حياتها. خرجت بدور من غرفة النوم المعتمة، الراكدة الهواء، أنفاس زوجها ترقد في الأركان مع رائحة معجون الحلاقة والكولونيا الثمينة ذات الرائحة النفاذة، تبعث الرائحة في نفسها الغثيان وتتصوره عاريا بين ذراعي فتاة تصغره بخمسين عاما أو مائة عام، لا ينتصب قضيبه إلا مع البنات الغشيمات، أو مومسات يتصنعن الغشم.
تمشي بدور في النوم كما تمشي في اليقظة، تخرج من الغرفة المعتمة إلى الهواء والشمس، تمشي نحو زينة بنت زينات نحو الحقيقة، ليس نحو حلم أو خيال أو أسطورة، ترى نفسها تمشي نحوها، تجتاز الممر الطويل بين مقعدها وخشبة المسرح، ممر طويل يبدو لا نهائيا، يضربه الهواء البارد من كل جانب، وزهور ذبلت في الأحواض على الجانبين، وأشجار ماتت واقفة، أصبحت خضرتها أقل خضرة تشوبها الصفرة.
تتوقف بدور فجأة عن السير تنظر خلفها، ترى الخواء والظلمة وراء ظهرها، وبرودة الهواء والخوف. تستدير تنظر أمامها حيث الأضواء، وزينة بنت زينات تعزف وتغني وترقص على الإيقاع، ثم تلاشت الأضواء فجأة، تسمع الأصوات تدوي مثل الانفجارات أو طلقات الرصاص. تظلم الدنيا، تضيء وتظلم، تنقطع الكهرباء وهي لم تعد هناك، تبحث عنها في النوم وفي اليقظة، في الأزقة، فوق أرصفة الشوارع، تمسح الرصيف من الزلط والطوب، تفرش تحتها الغطاء، تلفها بالبطانية الصوف الزرقاء. تغطيها، تحميها من برد الشتاء، تتركها لتمضي في الظلمة، تسحب إصبعها السمينة من بين أصابعها الصغيرة، أصابعها الدقيقة الخمسة قابضة على إصبعها الكبيرة، لا تريد أن تترك هذه الإصبع وإن غابت في النوم، لا تريد أن تفتح جفونها لتراها وهي تبتعد وتبتعد وتبتعد، حتى تصبح نجمة في السماء البعيدة.
كيف انفصل جسدها عن الرصيف؟
كيف أصبح لها قدمان تسيران وتسيران بعيدا عنها في الليل مثل الخيال؟
تنكفئ بدور فوق الأوراق تكتب، تهمس بدرية في أذنها: أنت جبانة لا علاج لك من الجبن إلا الكتابة، لا علاج لك من الألم والحزن إلا الحروف على الورق، بالحبر الأسود أو الأزرق أو الأحمر، أريقي دمك فوق الورق يا بدور، شقي صدرك بالسكين وافتحي قلبك. لن يشفيك إلا السكين يشق صدرك. لا تحبسي الدموع في بطنك، أطلقيها إلى الخارج كما تطلقين صوتك وأنت تصرخين، أطلقي صرختك في وجه الله والشيطان، لا تخافي الموت ولا نار جهنم، تكفيك الجحيم فوق الأرض.
تترنح بدور وهي غارقة في النوم، ينقطع صوت بدرية قبل أن يختفي، تذوب بدرية في الليل كأنما لم تكن، يذوب معها الحبر فوق الأوراق، تتلاشى الحروف، تصبح الصفحات بيضاء بيضاء، يلتصق البياض بعينيها فلا ترى إلا السواد، الحزن يأتي والاكتئاب، تتكلم بدور بصوت عال في النوم؛ لأن لا أحد هناك، ولا هي نفسها هناك: أنا غير موجودة مثل الله.
Unknown page