من نافذة غرفته لمحها وهي تدخل من الباب الخارجي للحديقة، كان يتأمل وجهه في المرآة، يسوي الشعرات القليلة فوق الصلعة الملساء، يرمق ذقنه المثلث بازدراء، لا يعرف ماذا يفعل باليوم الطويل حتى تعود زوجته. فتش في النوتة السرية عن رقم عشيقة قديمة، رن جرس التلفون طويلا دون أن ينقطع الجرس، أدار القرص بأرقام أخرى دون جدوى، لم يعثر على واحدة منهن. قال لنفسه في ضيق: هل عثرن جميعهن على زوج أو عشيق؟ هل ذهين جميعا إلى الحج ليمسحن ذنوبهن أو أصابهن فيروس الإيدز عقابا من الرب؟
حرك رأسه ناحية النافذة يتطلع إلى السماء، فجأة لمحها تدخل من الباب كأنما لبت السماء الدعاء، كأنما اطلع الله على ما دار في عقله فأرسلها إليه قبل أن ينطق بالرجاء. دخلت إلى الحديقة بقامتها الطويلة الرشيقة، تبدو فتاة شابة وليست طفلة في التاسعة من العمر، ليس لها أب ولا أم، ضمتها دادا زينات إلى حضنها كالأم، تولت أبلة مريم دفع النفقات، تنبأت لها بمستقبل زاهر في عالم الفن والغناء، ترعاها ابنته مجيدة كالأخت، تعطف عليها زوجته بدور مثلما تعطف على اليتامى واللقطاء. حين فتح لها الباب سألت بصوت مرح يغرد: مجيدة هنا يا عمو؟ - أيوه يا حلوة ادخلي.
كان اليوم جمعة، تتصاعد الأصوات الزاعقة من خلال الميكروفونات، الابتهالات والتكبيرات، وأشهد أن لا إله إلا الله، تتكرر الشهادة آلاف المرات، ملايين المرات، تخرق الأصوات الآذان، وطبقات الأرض والسماء، تصل إلى أسماع الآلهة والملائكة والشياطين، وأسماع الكائنات الحية فوق الأرض، حتى القطط أصبحت تردد الشهادة، الأمهات ومولوداتها الصغيرات، ترهف القطط آذانها لسماع الأصوات، لا تفهم القطط معنى الكلمات، لكنها مثل أطفال الشوارع تلتقط اللحن، تردده عن ظهر قلب، تظنه أغنيه تغنيها الأم لطفلتها عند النوم، أو قصيدة شعر ترددها الطفلة في المدرسة، أو إيقاع رقصة يؤديها الأطفال على الرصيف أو فوق خشبة المسرح.
دخلت زينة بنت زينات إلى غرفة المكتب الكبيرة، جدرانها مغطاة برفوف الكتب، شهقت بدهشة الأطفال: ياه ده كتب كتيرة أوي يا عمو؟ - أيوه يا حلوة. - إنت قريتها كلها؟ - طبعا يا حلوة.
فوق المكتب الفخم لوحة منقوش عليها حروف بالخط النسخي الكوفي: يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء.
يهتدي زكريا الخرتيتي بهذه العبارة في حياته، الهداية من عند الله والضلال من عند الله، للضلال في حياته جاذبية أشد من الهداية، تسري في جسده لذة الضلال، حارة وساخنة كالدم يجري في عروقه، يتجمع الدم أسفل بطنه، بزحف تحت شعر العانة إلى غدة الشيطان ومركز الغواية.
كانت زينة بنت زينات تتمشى بقامتها الممشوقة، تتأمل اللوحات والفازات والقطع الأثرية. في ركن الغرفة أريكة من الجلد الفاخر الناعم، جلس عليها زكريا الخرتيتي ممسكا تمثالا صغيرا لرأس نفرتيتي: تعالي هنا يا حلوة، شوفي التمثال ده. - أللاه ده حلو أوي! مين الست ديي؟ - دي الملكة نفرتيتي! - كانت ملكة بحق وحقيق؟ - طبعا، يا ترى عجبك التمثال؟ - أوي يا عمو! - خديه لك، ده هدية مني لك!
تلف أصابعها الطويلة النحيلة حول التمثال، تقبض عليه. يرمقها زكريا الخرتيتي بجانب عينه، أنفها من الجانب مرفوع في كبرياء، نهدها الصغير ينبض فوق صدرها تحت الثوب الأبيض، لم يصبح ثديا بعد، حلمة صغيرة دقيقة تمتد إصبعه تلامسها، يلتهب الدم في جسده مع التلامس، كهربة أو تيار كهربائي يسري في أحشائه، ينتفض ويلهث كالممسوس بقوة أكبر منه.
انتفضت من فوق الأريكة واقفة، ألقت التمثال على الأرض ، التفت أصابعها حول أكرة الباب تفتحه، لكن الباب كان مغلقا، والمفتاح في جيب زكريا الخرتيتي. لم تكن طفلة مثل بنات العائلات، تدربت على المقاومة في الشارع، فقدت عذريتها منذ تركتها أمها فوق الرصيف، لم تعد تخاف اللصوص وقطاع الطرق. كانت في التاسعة من العمر، يكبرها بستة وثلاثين عاما، رجل ذكر هاج ذكره، إن هاج ذكر الرجل فقد ثلثي عقله، كما ورد عن لسان رجل من أولياء الله. بدأ الصراع بينهما في غرفة المكتب؛ بين رجل كبير في رأسه ثلث عقل، وطفلة صغيرة عقلها كبير أكبر من عمرها، استطاع أن يمزق ثوبها الأبيض من القطن المصري، أن يمزق قميصها الداخلي، أن ينزع عنها الكيلوت الصغير الأبيض، أن يشد ساقها بعيدا عن الساق الأخرى، أن يدس قضيبه بين فخذيها، لكنه عجز عن دخولها، عجز ذكره المنتصب أن يشق طريقه بين ثنايا اللحم.
كان الطريق مغلقا تماما، كأنما ليس في جسدها فتحة تدخل منها القضبان، كأنما ليس لها مهبل أو قناة مهبل يدخلها عضو الذكر، كأنما ليست أنثي مثل غيرها من الإناث.
Unknown page