Zaytuna Wa Sindiyana
الزيتونة والسنديانة: مدخل إلى حياة وشعر عادل قرشولي مع النص الكامل لديوانه: هكذا تكلم عبد الله
Genres
أخضر ذهبي كالورقة في فرع الشجرة،
أخضر عشبي يشبه ظل الواحة في الصحراء،
أخضر زيتوني ذهبي عشبي باللون الفاتح، أو باللون الغامق،
لكن هو أخضر دوما حبك.
6
وانهمرت القصائد تقيم الجسور بين ذاته وذاته، وبينها وبين الآخر المحبوب، كأنها همسات المطر في سمع الشجرة، أو لمسات لمسام العالم في الظلمة أو غبش الفجر. وعندما دعا حبيبته - التي أصبحت زوجته - في قصيدة بعنوان «قلق» (وهي القصيدة التي يستهل بها ديوانه: وطن في الغربة) أن تدثره بجلدها الدافئ؛ كانت هذه الدعوة في حقيقتها تحديا لكل رياح الغربة والقلق، واعترافا بأنه قد وجد ذاته في هذا الآخر المحبوب، كما وجد الآخر ذاته فيه، وأنه لن يعرض عاريا في الواجهات الزجاجية للذين يطعمونه، ولن يخشى بلطة تعليمات السلطة، ولن يشكو من اقتلاع الجذور بعد أن وجد الحب، فوجد معه الوطن وربيع الحياة، والشعر الأخضر الذهبي. (و ) هكذا كانت السنوات العشر لعقد الثمانينيات هي سنوات المنفى الداخلي. وعلى الرغم من النجاح الذي تحقق لشاعرنا فيها - ضمه إلى اتحاد الكتاب في جمهورية ألمانيا الديموقراطية، وحصوله على جائزة مدينة ليبزيج - فقد عكف على مناجاته لذاته، وبحثه عن وطن أو «موطن» في الغربة. هل يا ترى سيهتدي إليه ويسكن فيه؟
تقدم كاتبان مرموقان - هما فولكر براون وهلموت ريشتر - باقتراح ضمه إلى اتحاد الكتاب بوصفه رفيق الطريق الذي يشرف الاتحاد بعضويته، وصاحب صوت فريد، واسم معروف في الشعر الألماني، والشعر العربي على السواء. ومع ذلك استمرت النظرة إليه كشاعر سوري مهاجر يكتب بلغتين، لا كأديب منتم للأدب الألماني نفسه. وبقيت مسافة البعد بين «الهو» و«النحن» قائمة؛ بالرغم من الثناء الذي انهال على شعره وشخصه، والتقدير لمشاركته الفعالة في الحياة الثقافية وفي مشكلات البلد الآخر، وتعاطفه مع شعبه، وتبنيه للكفاح في سبيل تحقيق المدينة الاشتراكية الفاضلة في الواقع. ظل هو الأجنبي، المهاجر، الناطق بلسانين، والكاتب بلغتين. ولم يعدم في بعض المواقف المتأزمة التي حاول فيها أن يرفع صوته، ويمارس حقه الطبيعي في النقد والاحتجاج على الفساد والاستبداد والكذب والظلم، لم يعدم من يصرخ في وجهه: «أنت أجنبي، ولا داعي لأن تتدخل في شئوننا.» أو من يقول له في غضب: «إذا كان هذا البلد لا يعجبك، فلماذا لا ترجع إلى بلدك؟»
لكن كيف يفعل هذا أو يفكر فيه بعد أن أصبح له وطن في ليبزيج، وضربت شجرة شعره وحبه بجذورها في تربة هذه المدينة؟!
إن ديوانه «وطن في الغربة» يضم مجموعة من القصائد التي تحمل هذا العنوان: «مرثيات ليبزيج»، وفي أبياتها ينطق أمله وخيبة أمله في وقت واحد، معاناته من الاغتراب، وإصراره على المواطنة في البلد الذي جاء إليه بإرادته واختياره، وما يزال يعيش فيه ويشارك ويكتب ويعلم ويبدع، دون أن يخطر على باله لحظة واحدة أن يتخلى عنه، حتى لا يتخلى عن نفسه، مهما لقي من جفاء وجحود، ومهما طارده القلق طوال السنوات العشر خوفا من سحب التصريح بإقامته الذي كان عليه أن يجدده سنويا، كما كان عليه ليضمن تجديده: أن يوقع على عقد شديد الإجحاف مع الجامعة.
هكذا امتزج الرجاء باليأس بالغضب في قصائد هذه المرثيات. كم حاولت الأنا الشاعرة أن تواجه صمت الآخر، وتباعده، وتعاليه في بعض الأحيان بأن تمد له يد الأخوة والتعاطف، وتبدي استعدادها لمشاركته في حمل همومه:
Unknown page