وقالت: «أنت مخبول!»
كانت كاثي تحب التظاهر بأن صبرها نفد، ولكن الجانب الرومانسي في زيتون كان عاملا أساسيا من عوامل حبها له. كانت تعرف أن أي نوع من القوارب كان يذكره بطفولته، فكيف تحرمه من قارب مستعمل؟ كانت شبه واثقة بأنه لن يستخدمه أبدا ، ولكنها كانت تعرف أن وجود القارب في الجراج لا بد أن يعني شيئا ما له؛ رابطة بالماضي، وإمكان المغامرة. أيا كان ذلك الشيء فلن تحرمه منه.
والواقع أنه حاول مرتين أو ثلاث مرات أن يثير اهتمام بناته بالقارب، فأخذهن إلى بايو سانت جون، وأنزل القارب في الماء، وجلس فيه، وعندما نادى نديمة التي كانت تجلس على الكلأ، رفضت. ولم توافق البنتان الصغيرتان أيضا. وهكذا، ولمدة نصف ساعة، والفتيات يرقبنه من مجلسهن على الكلأ، ظل يجدف في الماء وحده، محاولا أن يجعل الأمر يبدو مثيرا، لا يقاوم. وعندما عاد كن لا يزلن يعارضن الفكرة، فأعاد وضع القارب على ظهر الشاحنة وعاد الجميع إلى المنزل.
وازدادت قوة الريح بعد الخامسة. لم يكن يستطيع أن يتنبأ بوقت وصول الإعصار فعلا إلى الساحل، ولكن النهار لم تشرق فيه أضواء تذكر ذلك الصباح. كان اللون يتحول من الأسود إلى الرصاصي الفاقع، والمطر يهطل كالحصباء التي تقذف على الزجاج. كان يسمع جذوع الأشجار وهي تتصدع بفعل الرياح، وزفرات عظيمة تتردد عند سقوط الجذوع على الشوارع وأسقف المنازل.
ولم يستطع مقاومة النوم آخر الأمر. وعلى الرغم من إدراكه أن منزله يتعرض للهجوم، فإنه رقد، وهو يعرف أن شيئا ما لا بد أن يوقظه بعد قليل، وهكذا استسلم مؤقتا، وغلبه نعاس غير عميق.
الإثنين 29 من أغسطس
واستيقظ زيتون متأخرا، لم يستطع تصديق ساعة معصمه، كانت تشير إلى تجاوز العاشرة صباحا، لم يكن قد تأخر في النوم إلى ذلك الحد منذ سنوات. كانت جميع ساعات الحائط قد توقفت، فنهض، وحاول إضاءة المصابيح في ثلاث غرف، ولكن الكهرباء كانت لا تزال مقطوعة.
كانت الرياح شديدة في الخارج، والسماء لا تزال مظلمة، والمطر ينهمر. لم يكن يهطل بغزارة ولكن إلى الحد الكفيل بإبقاء زيتون داخل المنزل معظم ساعات اليوم، وتناول طعام إفطاره، وذهب ليتحقق من عدم وقوع أضرار أخرى للمنزل، فوضع دلوين تحت ثقبين جديدين يتسرب منهما الماء، وكان الضرر بصفة عامة على المستوى نفسه الذي كان عليه قبل أن ينام . كان قد نام أثناء أسوأ أوقات الإعصار، وكان يرى من النوافذ الشوارع تغطيها أسلاك الكهرباء التي سقطت، والأشجار التي وقعت، وما يقرب من قدم كاملة من الماء، كانت الحالة سيئة، وإن لم تكن أسوأ كثيرا من بعض العواصف التي يذكرها.
وفي باتون روج، أخذت كاثي الأطفال إلى السوبر ماركت لشراء المؤن اللازمة وبعض الكشافات التي تعمل بالبطارية. وفي داخل المحل بدا أن عدد الناس أكبر من عدد البضائع، لم يسبق لها أن شاهدت مثل هذا من قبل. كان الناس قد اشتروا كل شيء، والأرفف خاوية تقريبا. كان المشهد يشبه نهاية العالم. كان الأطفال خائفين، ويتشبثون بها، وبحثت كاثي عن الثلج وقيل لها إنه نفد منذ فترة طويلة. وعلى غير توقع، وجدت كشافين في علبة واحدة، آخر المعروض، فالتقطتهما قبل أن تصل إليهما يد امرأة أخرى بثوان معدودة، وابتسمت ابتسامة اعتذار للمرأة واتجهت إلى مكان دفع الحساب. •••
وفي العصر هدأت الريح وخف هطول الأمطار، وخرج زيتون لاستكشاف الأحوال. كان الجو دافئا، ودرجة الحرارة تزيد على 26° مئوية، وكان ارتفاع الماء في تقديره يبلغ ثماني عشرة بوصة، كان من مياه الأمطار، عكرا، لونه بني ضارب إلى الرمادي، لكنه كان يعرف أنه سرعان ما ينصرف ويختفي، ونظر إلى فناء المنزل الخلفي فشاهد القارب، وكان القارب يناديه؛ إذ كان يطفو على سطح الماء، وكان جاهزا للاستعمال، وقال في نفسه: إنها فرصة نادرة للانزلاق فوق الطرق. لم يكن أمامه إلا هذا اليوم، فتخلص من الماء الذي نزل من السماء في القارب ودخله وهو يلبس تي-شيرت وشورت وحذاء رياضيا.
Unknown page