كان زيتون عندما بدأ العمل في نيو أورلينز منذ أحد عشر عاما يقوم بالأعمال اليدوية عند جميع مقاولي المدينة تقريبا، من الطلاء إلى تعليق الألواح البلاستيكية إلى تركيب بلاط الأرضية - أي شيء يطلبه المقاول - حتى استأجره رجل يدعى تشارلي سوسيار، وكانت لدى تشارلي شركته الخاصة، وكان قد بناها من الصفر، وأصبح ثريا، وكان يأمل أن يتقاعد قبل أن تعجز ساقاه عن حمله.
وكان لدى تشارلي ولد تقترب سنه من العشرين، ولم يكن لديه شيء أحب إليه من أن يترك الشركة لابنه. كان يحب ابنه، ولكن ابنه لم يكن يؤمن بالعمل، بل كان مخادعا وناكرا للجميل. وكان يتغيب عن العمل، فإذا حضر أبدى القلق والتبرم بالعمل، وأظهر الترفع على موظفي والده.
ولم يكن زيتون يملك سيارة في ذلك الوقت، فكان يركب دراجته إلى مواقع العمل عند تشارلي، وكانت دراجة لها عشر سرعات اشتراها بأربعين دولارا. وذات يوم كان زيتون يواجه خطر التأخر في الوصول إلى العمل، حين فوجئ أيضا بانفجار إطار إحدى العجلتين، وبعد سيره بالدراجة بالإطار المنفجر نصف ميل توقف في يأس، كان عليه قطع مسافة أربعة أميال عبر المدينة في عشرين دقيقة، وبدا له أنه سوف يتأخر عن العمل لأول مرة في حياته، لم يكن يستطيع أن يترك الدراجة ويجري؛ إذ كان يحتاج إليها، كما كان من المحال السير بالإطار المنفجر، وهكذا حمل الدراجة على كتفيه وابتدأ يهرول. كان في ذعر وفزع، فلو تأخر عن موعد العمل فما عسى أن يصيب سمعته؟ لسوف يخيب أمل تشارلي فيه، وربما كف عن استخدامه مرة أخرى. وما عسى أن يحدث لو تحدث تشارلي إلى غيره من المقاولين، ورأى أنه لا يستطيع تزكية زيتون؟ قد تكون العواقب واسعة النطاق. كان يدرك أن العمل هرم يبنى بالعمل الشاق يوما بعد يوم.
وزاد من سرعة عدوه. كان يدرك أنه سوف يصل متأخرا، لكنه إن زاد من سرعته فربما لم يزد التأخير على خمس عشرة دقيقة. كان ذلك في شهر أغسطس ورطوبة الجو خانقة، وبعد ميل أو نحو ذلك من الجري، وقد غمر جسده العرق المتصبب، توقفت شاحنة بجواره.
وجاءه صوت يسأل: «ماذا تفعل؟» والتفت زيتون لينظر من السائل، دون أن يبطئ من معدل عدوه، كان يتصور أنه أحد المازحين يريد أن يسخر من رجل يجري حاملا دراجته فوق كتفيه في الطريق العام، ولكنه وجد المتحدث رئيسه في العمل، تشارلي سوسيار.
وقال زيتون: «ذاهب إلى العمل.» كان لا يزال يجري، وحين يذكر الحادثة يرى أنه كان عليه أن يتوقف في هذه اللحظة، ولكنه كان يتبع إيقاعا منتظما فاستمر، والشاحنة تتسكع إلى جواره.
وضحك تشارلي وقال: «ضع دراجتك في حقيبة السيارة.»
وأثناء انطلاقهما بالسيارة، التفت تشارلي إلى زيتون وقال له: «تعرف؟ لقد قضيت ثلاثين عاما في هذا العمل، وأعتقد أنك أفضل من عمل عندي.»
كانا متجهين بالشاحنة الآن إلى موقع العمل، واستطاع أن ينعم بهدوء البال أخيرا، بعد أن عرف أنه لن يطرد من العمل في ذلك اليوم.
وواصل تشارلي حديثه قائلا: «لدي عامل يقول إنه لن يستطيع الحضور لأن سيارته لم تستطع القيام، وعندي عامل آخر يقول إنه لن يستطيع الحضور لأنه أوى إلى الفراش متأخرا، تخيل! تأخر في النوم! وعامل آخر طردته زوجته من المنزل أو شيء من هذا القبيل، ولذلك لم يحضر. عندي عشرون أو ثلاثون موظفا ولا يحضر منهم للعمل في أي يوم سوى عشرة!»
Unknown page