هيه.. من ذلك اليوم الذي أحبته، هو يشاركها في حبها وهي لا تعلم.. كم يأتي كل يوم جديد بسعادة يهديها إياها! ولم لم يبح لها إبراهيم بحبه من ذلك اليوم، وتركها تعاني ما عانته؟ فلما رآها ساكتة كأنها خجلة كرر من جديد: من نهارها أنا أحبك..
فقالت هي من بعده: ومن نهارها أنا أحبك..!
فصرخ الفتى، وضمها إليه، وبقي كل منهما تاركا نفسه لصاحبه غارقين في لجة من السعادة لا شاطئ لها. ثم جلسا حتى رجع الغلام والمطية، وسارا جنبا لجنب وتواعدا للملتقى بعد العشاء.
وبعد العشاء انسحبت من بين أهلها بحجة أن لها في الخارج أمرا تريد قضاءه، وخرجت عن البلد حتى إذا كانت في أول طريق الترعة وجدت إبراهيم ينتظرها. ولما رآها مقبلة مشى نحوها، وأخذ يدها وقبلها، ثم رنا إليها بعين قانعة عذبة كأنما يريد أن يقول لها: ها أنت ذي من جديد.
وبين المزارع الواسعة يترنح فوقها نور القمر في سماواته، سارا الهوينا يخاصر كل منهما صاحبه، وينظران بعيون حيرى في لجج الفضاء، وقد طوقت ثغريهما ابتسامة راضية، وفاضت عنهما السعادة لا يقدرانها، وشعرا بهناءة لم يقطعاها بحديث بل تركا أنفسهما تطير في ذلك العالم الحلو سكرى بلذته، والكون حولهما ساكن إلا من أحلام الطبيعة يوحي بها الصرصار والضفدع، والليل شيبه الغرام أرسل بذوائبه البيضاء على المسطوحات الهائلة، والبدر صديقهما الحميم يسير معهما، أو حاسدا زينب يتبع خطاها ويتأثرها بنظرات الحانق سقط في يده. ... أين أنت يا قمر السماء من جمال زينب ولم أعرك لفتة وهي إلى جانبي؟ إن في تلك النظرات التي تبعث هي بها إليك لسحر الشباب الذي فقدته أنت من قرون القرون، وتلك الابتسامة السعيدة التي تطوق ثغرها تهزأ بخطوط المشيب البادية على وجهك. ولكن أحلامه قطعها قول زينب يا سلام! القمر حلو. - إنت أحلى يا زينب.
وطوق خصرها بذراعه وقبلها في جبهتها، ثم في صدغها، ومن جديد نظر معها إلى القمر.
ولكن تلك القبلات أثارت من نفسها شجونا فلم تتمالك أن رمت برأسها على كتف صاحبها الذي أحس بعد برهة بشديد الخفقان الذي أصابها فاستدار برأسه إليها وقبل صدغها ثم سألها: ما لك يا زينب؟
وزينب تبكي ولا تجيب بكلمة. فأمسك بيدها وسألها من جديد فأجابته في بكائها: بعد شوية أيام مش حانشوف بعض ... أجوز أنا وأروح دار جوزي، والساعة دي متنعادشي.
وتنهدت من قلب كليم، ثم استندت إلى المصلى وراءها، ومسحت دموعها، وبقيا هكذا صامتين بقية الليلة.
وبعد أيام تقابلا، فأحست بالهناءة كلها، وسارت تجد في كل نظرة من نظرات إبراهيم أكبر السعادة.
Unknown page