موضوع الخلفاء من المواضيع الحساسة، وكنت أفضل عدم التعرض له ولكن كثرة التساؤلات حول موقف الزيدية منهم أوجبت طرحه. المشترك بين الزيدية أن الإمام عليا
كان الأولى بالخلافة، وأن أبا بكر ومن معه أخطأوا في صرفها عنه. وأن أبا بكر أخطأ أيضا لما منع فاطمة من إرثها من النبي، كما أخذ منها أرض فدك والعوالي وهي أرض غنية جدا كان النبي أنحلها فاطمة بعد فتح خيبر. إلا أنه بعد هذا القدر المشترك فقد اشتهر رأيان: الرأي الأول يرى أن الترضية عنهم لازمة باعتبار أن وقوفهم السابق مع النبي يكفر ذلك الخطأ. الرأي الثاني يرى أن سابقتهم مع النبي توجب علينا الترضية عنهم، والخطأ منهم يوجب التوقف في شأنهم. وهناك قلة قليلة كانت تصرح بالبراءة منهم، والدعاء عليهم. وسأذكر نصين لإمامين أحدهما من أئمة الديلم، والآخر من أئمة اليمن، وهما من المتوقفين، وذلك لكي يعلم حقيقة معنى التوقف. قال الإمام الهادي علي بن جعفر بن الحسن الحقيني
(490ه): وأشهد أن أمير المؤمنين إمام المسلمين بعد رسول رب العالمين؛ لما خصه الله تعالى بمجموع الفضائل والمناقب، ووضعه في أشرف المناسب، بمنصوص التنزيل المعرض للتأويل، لتقابل الأشباه والأمثال، وتعارض المعاني والأشكال، سميناه نصا خفيا، وإن كان معناه عند الرساخ واضحا جليا. وأما كبار الصحابة الذين تصدروا للإمامة ونهضوا بالخلافة فلا أغض نفوسهم وأغراضهم، ولا أقابل بالشتم أعراضهم، بل أجد موجدة الزاري عليهم، والمستريب منهم لتمسكهم بالمحتملات، وتعلقهم بالمتأولات وأكل أمرهم إلى الله تعالى كما قال القاسم
: {تلك أمة قد خلت}[البقرة:134]. وأما الإمام عبدالله بن حمزة (614ه) فقد جاءته مسألة فيمن تقدم الإمام علي بن أبي طالب فأجاب إجابة مطولة فيها تفصيل، وأهم ما فيها : إن الصحابة عندنا أفضل بعد الأئمة" قبل إحداثهم، وبعد الإحداث لنا أئمة نرجع إليهم في أمور ديننا ونقدم حيث أقدموا، ونحجم حيث أحجموا، وهم علي وولداه"، والحادث عليهم وغضبنا فيهم، ولم نعلم من أحد منهم سب أحد من الصحابة ولا لعنه ولا شتمه لا في مدة حياتهم ولا بعد وفاتهم. فالذي تقرر عندنا أن عليا
أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولديه أفضلهم بعد علي
، لما تظاهر فيهم من الأدلة عن الله سبحانه وتعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم عليهم من أبي بكر وعمر وعثمان نقول بتخطئتهم ومعصيتهم لترك الاستدلال على علي
بالنصوص الواردة عن الله سبحانه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في إمامته، ونقول: إن النصوص استدلالية لأنها محتملة، ولذلك جرى فيها النزاع الطويل والجدال الشديد من ذلك اليوم إلى يوم الناس هذا وإلى انقطاع التكليف وكل يحتج بما له وجه.
Page 84