لفظ "الزيدية" يشير إلى الانتساب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قدس الله أرواحهم في أعلى عليين، وحشرنا في زمرتهم، ونفعنا بمحبتهم وولايتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون. وسبب الانتساب إلى الإمام زيد
دون غيره من أئمة أهل البيت"؛ إنما كان لأن الإمام زيدا جسد آمالها، ومبادئها، واستشهد وصلب عريانا في سبيلها، في عصر كالح اندرست فيه معالم الدين من التوحيد والعدل وصدق الوعيد والجهاد ، واستبدلت بمفاهيم التشبيه، والتجسيم، والجبر، وإلغاء الجهاد، وإطماع الفاسقين من الجبابرة والمجرمين بدخول الجنة وبشفاعة المصطفى صلى الله عليه وآله. وقد بين سبب الاعتزاء إلى الإمام زيد بن علي الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية إذ قال: ((أما والله لقد أحيا زيد بن علي ما دثر(1) من سنن المرسلين، وأقام عمود الدين إذ اعوج، ولن ننحو إلا أثره، ولن نقتبس إلا من نوره، وزيد إمام الأئمة، وأول من خرج داعيا إلى الله بعد الحسين بن علي)) وقال أبوه عبدالله الكامل: ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي)) فكان خروج الإمام زيد
إذ خرج بمثابة إحياء للدين، وبعثه من جديد. فسلام الله عليه يوم ولد، وسلام الله عليه يوم استشهد، وسلام الله عليه يوم يبعث حيا. ظاهر أن العلاقة بين الزيدية وبين الإمام زيد
ليست علاقة اتباع في قضايا علمية. لا شك أن الزيدية تقدر رأي الإمام زيد
، ولكنها لا تلتزم تقليده، بل لا تلتزم تقليد غيره من أئمة أهل البيت، فالزيدية ترى أن الاجتهاد واجب في كل عصر، وفي كل مكان لكل من ملك أدوات الاجتهاد. يحاول بعض المعاصرين القول بأن الزيدية تنتسب للإمام زيد اسما فقط، وإلا فلا علاقة لها به. يريد هذا الرأي أن يصل إلى أن الإمام زيد لم يمثل أيا من المبادئ الكبرى التي قال بها الزيدية اليوم، وإنما الذي مثلها كان الإمام الهادي يحيى بن الحسين الذي استحدث وفق هذا الرأي مجموعة من الآراء التي تخالف منهج الإمام زيد ومنهج أهل البيت. لا يحتاج المرء إلى كثير معرفة ليعرف مدى بعد هذا الرأي عن الحقيقة. فالنصوص موجودة، نصوص الإمام الهادي، ونصوص الإمام زيد، ونصوص من بينهما من الأئمة، ومنها جميعا يظهر أن الإمامين، بل جميع أئمة تلك المرحلة كانوا في الأصول الدينية على منهج واحد، وأن اختلافهم إن وجد، كان في القضايا الفرعية، والقضايا التي تتطلب اجتهادا ورأيا. ويلاحظ أن من يقول بهذا القول يعول كثيرا على نص للمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم (1100ه)، حيث يقول: إنه لم يبق لمذهب زيد متابع في الأصول ولا الفروع. وفضلا عن أن هذا القول لا يمثل إلا رؤية قائله، فالنصوص الموجودة تبين علاقة الإمامين ببعضهما. صحيح أن قليلا من الزيدية اتبع مذهب الإمام زيد
الفقهي، وكان أغلبهم على مذهب الإمام الهادي، وذلك لأسباب منها دور الإمام الهادي في اليمن، ومنها اشتهار نصوصه، وعظم تأثيره على عموم الزيدية في زمانه وبعده. والمؤرخ المذكور كثير الخلط يعتمد الاستنباط والتخمين لا على النصوص. من هذه التعميمات قوله: ((فالذي كان من قبل [أي من قبل المائتين] هم الصالحية والجريرية، وهو الذي كان عليه زيد بن علي. وأما سائر الفرق فإنما حدثت بعد ذلك، وخالفت زيد بن علي في أصوله وفروعه...))، فهذا النفي المطلق ينافي الحاضر من النصوص. مثل هذه التعميمات التي لا أصل لها، هي مستند بعض الكتاب غير الموضوعيين في كتابتهم عن علاقة الإمام زيد بأهل بيته من بعده، أو بالزيدية المتأخرين.
Page 81