ب. أن الله تعالى يرزق عباده بمعنى أنه يبيح لهم ما خلقه من النعم ، وأكثر الآيات التي تناولت الرزق في القرآن تناولته بهذا المعنى. وهذا المعنى يفيد أن قولنا عن شخص: فلان لديه كذا وكذا لا يعني بالضرورة صحة قولنا عن نفس ذلك الشخص: فلان رزقه الله كذا وكذا؛ لأن ما أخذه بالحرام ليس رزقا لغاصبه. ج. أن الله تعالى يرزق عباده بمعنى أنه يسهل لهم الحصول على بعض ما خلقه من النعم وهي المراد بقوله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب}[الطلاق:2-3]. وهذه تكون بطرق منها: أن الله تعالى يلين قلوب الناس لعبده بحيث لا يصعب عليه حصول ما يريده منهم. وهذا التليين ليس فيه إلجاء، بل هو مجرد تليين، أو أنه تعالى يلهم عبده معرفة بها يحصل على ما يريد من الرزق. ومنها أن الله تعالى يبارك لعبده في ما يعمله من أمور فإذا زرع بارك له وإذا رعى بارك له.فالقاعدة فيها والأصل أن الحصول عليها جميعا منهم لا فعل لله تعالى فيها إلا من حيث أنه خلقها ويسر أسباب الحصول عليها، مع التأكيد على أنه تعالى قد يعين على ذلك بالألطاف. * والأعمار أيضا تتأثر بأعمالنا وأفعالنا، فلنا أن نطيل العمر كما لنا أن نقصره. نطيله بأن نهتم بأنفسنا، ونقصره بأن نقتل أو نظلم أو نهمل أنفسنا. * والزواج ليس قسمة ونصيب كما يشيع، بل هو قرار من الزوج والزوجة، أو من المجتمع من حولهم، ولا يلجئ الله إليه. وفعله تعالى فيه قد يكون باللطف أو بالخذلان. * والواقع السياسي لا يخضع إلا لأعمالنا ومواقفنا. فالله تعالى لا يهب الملك لأحد، كما لا ينزعه من أحد. ومعنى قوله تعالى: {تؤتي الملك من تشاء}[آل عمران:26] هو أنه تعالى يبين لنا من يجب علينا طاعتهم؛ كما في قوله تعالى {وتنزع الملك ممن تشاء}[آل عمران:26] {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا}[البقرة:247] فالملك الذي آتاه الله لطالوت لم يكن إلا أنه أمر بني إسرائيل بطاعته؛ ومعنى قوله تعالى: {وتنزع الملك ممن تشاء} أي أنه تعالى يبين لنا من لا يجوز علينا طاعتهم. وليس المعنى أنه تعالى يوصل إلى الملك من يشاء، وينزع بعض الملوك عن عروشهم كما يشيع بين الناس.
4. التعويض: ويعني أن الله سبحانه وتعالى سيعوض عباده في الآخرة على ما أصابهم من مشقة، أو حزن، أو تعب في الحياة الدنيا بأعواض يتمنون معها لو أن حياتهم كانت شقاء. فالله تعالى لا ينزل علينا أضرارا إلا لعقوبة سابقة، أو لمصلحة للعبد مع العوض على ذلك.
5. التأييد والعون: بمعني أن الله تعالى سيعين كل من يريد السعي إليه. فمع أنه تعالى قد مكننا إلا أنه لا يدعنا، بل يقوي عزائمنا، ويلقي الخواطر في عقولنا. وقد يتعارض هذا مع وجود إبليس، إلا أن التدقيق في تأثيره وفق ما دل عليه القرآن الكريم يؤكد أن ليس له إلا تقوية الدواعي، أما في الواقع فكما قال تعالى: {ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد}[ق:27]، بمعنى أن من عصى لم يضل بفعل إبليس وإنما بفعله وإرادته، وما كان من إبليس إلا أن شدد العزم، تقريبا كما يعمل أي رفيق سوء من البشر. وكذلك الخذلان من الله تعالى فليس هو أكثر من كونه تعالى ترك العون بسبب معاصي من المكلف. وكذلك التسليط من الله تعالى هو بمعنى الخذلان، ولكن لما كان الخذلان في كثير من الحالات مؤديا إلى تسلط الشياطين والظلمة سمي الخذلان باسمه.
Page 66