ثم نتمثل عدل الله تعالى وقيامه بالقسط فيما بيننا وبينه لنطمئن في مسيرتنا إليه، ونركن إلى حسن مآلنا، وإلى عدالة من سيحكم أمرنا. تمثل تلك الحقيقة فيما بيننا وبين أنفسنا، أو بعبارة أخرى انعكاس تلك الحقيقة على علاقاتنا الإنسانية، فبأن نقف أمام بعضنا البعض موقف الأنداد المتساوين وجودا وإن تفاوتنا خلقة. فلا علو إلا للكمال المطلق، ولا كمال مطلق إلا الله تعالى. فلا يحق مطلقا لأي إنسان أن يعلو على آخر بأي علو مهما كان صغيرا، كما لا يحق لأي إنسان أن يخضع لأي إنسان مهما كان. ويستثنى من ذلك ما أذن الله تعالى به، أو وجود مصلحة عامة من ذلك. بغير هذا يكون العلو والخضوع تعديا على مقام الألوهية، وجريمة كبرى في حق الإنسانية. بل لا يحق نحو هذا العلو حتى على الأحياء الأخرى غير الإنسان بغير تلك الشروط. لأن مثل هذا التعدي ممكن، ومحتمل؛ فإنه يجب على الإنسان أن يحمي نفسه، ويحمي حقه. هذه الحماية تعني وجود مشروع سياسي يخلق حياة عادلة بين الناس تحميهم من التعدي على بعض، وتمنعهم من تجاوز حقوق بعض. غياب المشروع السياسي يؤدي حتما إلى غياب العدل بين الناس. مما يعني غياب التمثل السلوكي للدين على مستوى علاقة الإنسان بالإنسان. قد يبقى التمثل على مستوى علاقة الإنسان بالله، إلا أن هذا الأمر يؤدي إلى إفقاد العلاقة بالله تعالى كثيرا من معانيها لسببين:
أ. إن غياب العدل يؤدي دوما إلى إعادة صياغة علاقة الناس بالله تعالى وفق معادلة تبقي الظلم قائما، وفي بعض الأحوال تجعل من وجود لله سببا له.
Page 47