وهب أنك أقمت في الرهبانية مكرما معززا فهل تسعد أبي في بعدك مني؟ أنا وإن كنت في سابع سموات الإقبال والمجد لا أسعد ولا أنعم في بعدي منك، أبي ذنوبنا تعلمنا الحق، التجارب تؤدبنا، وأنا بفضلها الآن أميرة نفسي، وقد سكن الليل وصفا أديمه، وتلألأت الكواكب في قبة عرشه الفخم ناشطة، عازمة، طامحة، وسأعود منتضية حسام النفس إلى مضمار الحياة، وأنت أبي إلى جانبي، وفريد على صدري، الحرية يا أبي مقدسة، حرية المرأة، وحرية الولد، وحرية الرجل، حرية فريد وحريتك وحريتي، حرية فريد في ظل أمه، وحريتك في ظل علمك ووجدانك، وحريتي أنا في ظل أبي، نعم، نعم، سيظهر فريد حياتي، وسيظهر فني وسأسعى لك وله ولنفسي ... صوت القصب يناديني ويناديك، ينادينا كلنا، صوت القصب هناك، هنالك، في ذاك الجبل، بل وراء قامات البحار، قد كانت نفسي كالزيز محبوسة في الشرنقة فأصبحت الآن فراشة حرة، ونفسك أبي كذلك، نفسك كذلك، سنلبي إذن صوت القصب، صوت الحياة، صوت الحرية، صوت الحق، صوت القصب يناديني ويناديك أبي، صوت القصب ينادينا كلنا.
فقال أبوها: كنت أهدي الناس يا بنتي وأنت اليوم تهديني، بارك الله فيك، بارك الله فيك.
وفي اليوم التالي كتبت مريم كتابا إلى الخواجا عارف مبارك بحيفا تكشف له سريرتها وتعلمه بقصدها، وكتابا آخر إلى القس جبرائيل مبارك تشكر له جميل صنعه وإحسانه وتخبره أنها متبعة فيما هي فاعلة الحق الذي علمها إياه، الحق لا تعلو حتى السعادة عليه.
وسافرت وأباها وابنها من سوريا يتبعون نور الشمس.
Unknown page