Zaman Fi Falsafa Wa Cilm
الزمان في الفلسفة والعلم
Genres
على هذا النحو العقلاني المحكم يثبت ابن رشد ما ارتآه أرسطو، من أن العالم قديم والزمان بدوره قديم، بلا بداية ولا نهاية لا متناه. ولكنه لا تناهي الكمية الرياضي، وليس لا تناهي الكيفية الأبدي، فهو الزمان العقلاني، زمان العالم الطبيعي الخارجي، وقد أحرز درجة من سيطرة العقل عليه، أو من التقدم، مع ابن رشد. •••
ولكن التقدم الجوهري، الجذري والحقيقي، في التناول العقلاني للزمان الطبيعي، إنما كان بحدوث التقدم الجوهري الجزري - إن لم نقل الميلاد الحقيقي - لتناول الطبيعة أصلا؛ أي بنشأة الفيزياء الحديثة، متصدرة مسيرة العلم الحديث الظافرة.
نحن الآن بصدد الزمان الفيزيائي، إشكالية الزمان الطبيعي في قلب نسق الطبيعة علم الفيزياء. إنه الزمان العقلاني - حسب اتفاقنا ومصطلحاتنا - في أبعد نقطة له عن الزمان اللاعقلاني، في أدق صوره مقاسة ومقيسة، قابلة للتقسيم الرياضي والتكميم الكرونومتري الذي يزداد دقة يوما بعد يوم حتى بلغ النانو ثانية والفمتو ثانية. إن الزمان الفيزيائي هو الزمان الطبيعي العقلاني في صورته العلمية؛ أي: أشد صورة يمتلكها العقل الإنساني دقة وإحكاما، وهو يفوق الأزمنة جميعا في ارتباطه بالمكان، فلا ينفصل البتة عنه.
ولما كان عالم الفيزياء مكونا من الزمان والمكان والمادة، كان ثمة تواز وتلازم ضروري بين الفيزياء والزمان. فتخلق الزمان الفيزيائي بتخلق الفيزياء، ونما وتطور بنموها وتطورها، واكتمل باكتمالها - بنظرية نيوتن - وتأزم بتأزمها، وانقلب انقلابا جوهريا حين انقلبت هي انقلابا جوهريا بظهور النظرية النسبية، فقد مرت الفيزياء بمرحلتين؛ الأولى: هي المرحلة الكلاسيكية: وكانت نظرية نيوتن هي النظرية الفيزيائية العامة، والثانية: في القرن العشرين، حين أصبحت نظرية آينشتاين هي النظرية الفيزيائية العامة. وتبع هذا أن الزمان الفيزيائي بدوره قد مر بمرحلتين أو بتصورين؛ هما: الزمان المطلق مع نيوتن، والزمان النسبي مع آينشتاين. والفارق المحوري بينهما أن التصور المطلق يرد المادة إلى الزمان والمكان، بمعنى آخر يدرك المادة أو يتصورها من خلال مفهومي الزمان والمكان، أما التصور النسبي فيفعل العكس؛ أي يدرك ويتصور الزمان والمكان من خلال المادة؛ لذلك فالتصور المطلق يجعل الزمان سابقا على الخبرة، أما التصور النسبي فيجعله مشتقا منها. وفي النسبية الخاصة أثبت آينشتاين استحالة تصور الزمان المطلق، وفي النسبية العامة تعتمد بنية المتصل الزماني-المكاني على توزيع المادة في الكون ، ولكن يمكن تصور انحناء هذا المتصل في حالة الغياب الكامل للمادة. والتصور النسبي بصفة مبدئية، يعتمد على أن الزمان والمكان لا يتضمنان داخلهما أية مقاييس داخلية، ولا بد من عنصر اصطلاحي.
على أية حال، يلزم الوقوف على الزمان الفيزيائي، منذ أن بدأ يتخلق بتخلق الفيزياء الحديثة. وقد ارتهن ميلاد علم الفيزياء، وبالتالي نسق العلم الحديث بأسره - وبسائر فروعه حتى النفس والاجتماع وما تلاهما - ارتهن هذا بالخروج عن الفرض البطلمي الذي أكدته فلسفات العصور الوسطى الدينية، القائل أن الأرض هي مركز الكون، والأجرام الأخرى تدور حولها. ففي عام 1507 جاء الفلكي البولندي نيقولا كوبرنيقوس
N. Copernicus (1473-1543) ليقول إن بطليموس ربما كان على خطأ؛ لأن نظامه يفشل في تفسير ظواهر عديدة، وإن فرض مركزية الشمس الذي سبق أن قال به أرسطارخوس الساموسي (310-230ق.م)، أبسط وأنجح، وإذا أضفنا إليه فرضية أن الأرض تتحرك، فسوف نكون أقدر على تفسير الظواهر الفلكية. إنها الثورة الكوبرنيقية التي وضعت الشمس في مركز الكون - بدلا من الأرض - فأحرزت الخطوة الأولى في طريق العلم الحديث الصاعد الواعد.
ثم كانت خطوة حاسمة مع يوهانس كبلر
J. Kepler (1571-1630) فقد وضع قوانين حركة الأجرام السماوية، وهي مداراتها الأهليلجية أو البيضاوية وليست الدائرية كما كانت البشرية تتصور طوال تاريخها، ووضع حسابات فلكية دقيقة لأزمنة الكواكب المختلفة، وتوجت جهوده بثلاثة قوانين مشهورة أودعها كتابه «الفلك الجديد»؛ وهي: (1)
الأرض والكواكب كلها تدور حول الشمس في مدارات أهليلجية، تقع الشمس في إحدى بؤرتيها. (2)
في ذلك الأهليلج تزيد مساحة القطع الذي يرسمه الخط الواصل بين الشمس والكواكب زيادة متناسبة تناسبا طرديا مع الزمن. فالخط الذي يربط بين الشمس وأي كوكب يقطع في زمن معين المساحة الخاصة بالكوكب متناسبة مع الزمن ومستقلة عن موضع الكوكب في مداره. (3)
Unknown page