فإنْ لا يُصاحبْها يُتبِّعْ بأعينٍ ... سريعٍ برقراقِ الدُّموعِ اكتحالُها
وقال أيضًا:
أحنُّ ويثنيني الهوَى نحوَ يثربٍ ... ويزدادُ شوقي كلَّ ممسًى وشارقِ
كذاكَ الهوَى يُزري بمنْ كان عاشقًا ... ونوْلُ الهوَى يحنو علَى كلِّ عاشقِ
وقال آخر:
فما سرْتُ من ميلٍ ولا بتُّ ليلةً ... منَ الدَّهرِ إلاَّ اعتادني لكِ طائفُ
وكمْ من بديل قدْ وجدنا وطوْفةٍ ... فتأبى عليَّ النَّفسَ تلكَ الطَّوائفُ
وقال زيادة بن زيد:
تذكَّرَ عنْ شحطٍ أُميمةَ فارْعوى ... لها بعدَ إقصارٍ وطولِ نُكوبِ
وإنَّ امرءًا قدْ جرَّبَ الدَّهرَ لم يخفْ ... تقلُّبَ عصريهِ لغيرُ لبيبِ
هلِ الدَّهرُ والأيَّامُ إلاَّ كما أرى ... رزيَّةُ مالٍ أوْ فراقُ حبيبِ
ولبعض أهل هذا العصر:
إلى اللهِ أشكو عبرةً قد أظلَّتِ ... ونفسًا إذا ما عزَّها الشَّوقُ ذلَّتِ
تحنُّ إلى أرضِ الحجازِ ودونها ... تنائفُ لو تسري بها الرِّيحُ ضلَّتِ
وإنِّي بها لولا أماني تغرُّها ... وقد أرجفتْ هوجُ المطايا وكلَّتِ
أأمنعُ منْ وادي زُبالةَ شربةً ... وقدْ نهِلتْ منهُ الكلابُ وعلَّتِ
سقى اللهُ رملَ القاعِ والقاعَ فاللِّوى ... فقدْ عطفَتْ نفسي إليهِ وحنَّتِ
وأسقى لِوى جبليْ زرودَ ومُرْبخًا ... سحائبُ لا يلقى الظَّما ما أظلَّتِ
هممْتُ فلمْ أربعْ علَى الفكْرِ لحظةً ... وقد كانَ حظُّ النَّفسِ أنْ لو تأنَّتِ
وأصبحتُ لهْفانًا علَى ما أضعتهُ ... كذاكَ يكونُ الرَّأيُ ما لم يُثبَّتِ
الباب الثامن والعشرون
من لم يلحق بالحمول بكى علَى الطُّلول
إذا كان صحوُ المفارق لأحبابه من التحنُّن الَّذي ذكرناه بقلبه داعيًا له قبل هواه ندم على مقامه بعد مضيّ أحبابه أوْ على اجترائه على السَّفر وأحبَّته مقيمون في الحضر فاستقبح صنيعه وتلافى تصنيعه فإن كان المحبُّ هو المسافر عن حبيبه.
كان كالذي يقول:
بينما هنَّ منْ بلاكثَ فالقا ... عِ سِراعًا والعيسُ تهوي هويَّا
خطرَتْ خطرةٌ علَى القلبِ وهنًا ... من هواها فما استطعتُ مُضيًَّا
قلتُ لبَّيكِ إذْ دعاني لكِ الشَّوْ ... قُ وللحاديينِ كُدَّا المطيَّا
وكما قال عبيد الراعي:
دعاني الهوَى من أمِّ وبرٍ ودونها ... ثلاثةُ أخماسٍ فديتُكَ داعيا
فعُجنا لذكراها وتشبيهِ صوتِها ... قلاصًا بمجهولِ الفلاةِ صواديا
بغبراءَ مِحرافٍ يبيتُ دليلُها ... مُشيحًا عليها للفراقدِ راعيا
وإن كانَ المحبوب المسافر والمحبُّ هو المتخلِّف عن إلفه تعسَّف ركوب المهالك في اللَّحاق.
كما قال العرجي:
كم قدْ عصيتُ إليكِ من مُتنصَّحٍ ... داني القرابةِ أوْ وعيدِ أعادي
وتنوفةٍ غبراءَ أرمي عرضها ... شوقًا إليكِ بلا هدايةِ هادي
وقال:
قُلْ لهادي المطيِّ يرفقْ قليلا ... يجعلِ العيسَ سيرهُنَّ ذميلا
لا تقِفْها علَى السَّبيلِ ودعْها ... يهْدِها شوقُ من عليها السَّبيلا
وقال:
أمَّا الدِّيارُ فقلَّما لبثوا بها ... بعدَ اشتياقِ العيسِ والرُّكبانِ
وضعوا سياطَ الشَّوقِ في أعناقها ... حتَّى وردْنَ بهمْ علَى الأوْطانِ
وقال:
ويومٍ كتنُّورِ الطَّواهي سحرْنهُ ... وألقينَ فيه الجزلَ حتَّى تضرَّما
قذفْتُ بنفسي في أجيجِ سمومهِ ... وبالعيسِ حتَّى بُلَّ مشفرُها دما
أُؤمِّلُ أنْ ألقى منَ النَّاسِ عالمًا ... بأخباركُمْ أوْ أنْ أُلمَّ مُسلِّما
وأنشدني بعض أعراب البادية:
بانتْ أنيسُ فما بالقلبِ معقولُ ... ولا علَى الجيرةِ الغادينَ تعويلُ
حتَّى شددْتُ برحلي قبلَ برذعتي ... والقلبُ مُختبلٌ واللُّبُّ متبولُ
ثمَّ اعتورْتُ علَى نِضوي ليُلْحقني ... أخرى الحمولِ الغوادي وهوَ معقولُ
وقال الراعي:
بانَ الأحبَّةُ بالعهدِ الَّذي عهدوا ... فلا تمالكَ عن أرضٍ لها عمدوا
حتَّى إذا حالتِ الأرجاءُ دونهمُ ... أرجاءُ ترمُدَ كلَّ الطَّرفُ أوْ بعدوا
1 / 79