عنّى! غرّى غيرى، ألى نعرّضت، أم إلىّ تشوّفت؟ هيهات! قد باينتك ثلاثا، لا رجعة لى عليك؛ فعمرك قصير، وخطرك حقير، وخطبك يسير؛ آه من قله الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق! فبكى معاوية حتى أخضلت دموعه لحيته؛ وقال: رحم الله أبا الحسن! فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح واحدها في حجرها! وقال علىّ رضوان الله عليه: رحم الله عبدا سمع فوعى، ودعى إلى الرشاد فدنا، وأخذ بحجزة هاد فنجا «١»، وراقب ربّه، وخاف ذنبه، وقدّم خالصا، وعمل صالحا، واكتسب مذخورا، واجتنب محذورا، ورمى غرضا، وكابر هواه، وكذّب مناه، وحذر أجلا، ودأب عملا، وجعل الصبر رغبة حياته، والتّقى عدّة وفاته، يظهر دون ما يكتم، ويكتفى بأقلّ مما يعلم، لزم الطريقة الغرّاء، والمحجّة البيضاء، واغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزوّد من العمل.
[علي ع يرثي خباب ابن الأرت]
ولما رجع ﵁ من صفّين، فدخل أوائل الكوفة إذا قبر، فقال: قبر من هذا؟ فقيل: خبّاب بن الأرتّ «٢»، فوقف عليه، وقال:
رحم الله خبّابا! أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وابتلى في جسمه أحوالا، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.
[علي ع أمام القبور]
ومضى فإذا هو بقبور، فوقف عليها، وقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم- عما قليل- لاحقون؛ اللهمّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم بعفوك! طوبى
1 / 79