دفن ورجع المهاجرون والأنصار إلى رحالهم، ورجعت فاطمة إلى بيتها؛ فاجتمع إليها نساؤها، فقالت:
اغبرّ آفاق السماء، وكوّرت ... شمس النهار، وأظلم العصران «١»
فالأرض من بعد النبى كئيبة ... أسفا عليه كثيرة الرجفان «٢»
فليبكه شرق البلاد وغربها ... وليبكه مضر وكل يمان
وليبكه الطّور المعظّم جوّه ... والبيت ذو الأستار والأركان
يا خاتم الرسل المبارك ضوءه ... صلّى عليك منزّل الفرقان «٣»
[عود إلى المختار من كلام أبي بكر]
وكان أبو بكر- ﵁! - إذا أثنى عليه يقول: اللهم أنت أعلم بى من نفسى، وأنا أعلم بنفسى منهم، فاجعلنى خيرا مما يحسبون، واغفر لى برحمتك مالا يعلمون، ولا تؤاخذنى بما يقولون.
وقال ﵀ في بعض خطبه: إنكم في مهل، من ورائه أجل، فبادروا في مهل آجالكم، قبل أن تنقطع آمالكم، فتردكم إلى سوء أعمالكم.
وذكر أبو بكر الملوك فقال: إن الملك إذا ملك زهّده الله في ماله، ورغّبه في مال غيره، وأشرب قلبه الإشفاق؛ فهو يسخط على الكثير، ويحسد على القليل، جذل الظاهر، حزين الباطن، حتى إذا وجبت نفسه، ونضب عمره، وضحا ظلّه «٤» حاسبه فأشدّ حسابه وأقل عفوه.
وذكر أنه وصل إلى أبى بكر مال من البحرين، فساوى فيه بين الناس، فغضبت الأنصار، وقالوا له: فضّلنا! فقال أبو بكر: صدقتم، إن أردتم أن أفضلكم صار ما عملتموه للدنيا، وإن صبرتم كان ذلك لله ﷿! فقالوا:
والله ما عملنا إلا لله تعالى، وانصرفوا؛ فرقى أبو بكر المنبر، فحمد الله، وأثنى
1 / 70