[من كلام أبى بكر رضي الله تعالى عنه]
ودخل أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، على النبى ﵊ وهو مسجّى بثوب «١»، فكشف عنه الثوب وقال: بأبى أنت وأمى! طبت حيّا وميّتا، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوّة، فعظمت عن الصفة، وجللت عن البكاء، وخصصت حتى صرت مسلاة، وعممت حتى صرنا فيك سواء. ولولا أنّ موتك كان اختيارا منك لجدنا لموتك بالنفوس ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفدنا عليك ماء الشؤون «٢» . فأمّا ما لا نستطيع نفيه عنّا فكمد وإدناف «٣» يتحالفان ولا يبرحان. اللهم فأبلغه عنا السلام، اذكرنا يا محمد عند ربّك، ولنكن من بالك؛ فلولا ما خلّفت من السكينة لم نقم لما خلّفت من الوحشة؛ اللهم أبلغ نبيّك عنا واحفظه فينا، ثم خرج.
قوله ﵁: «لولا أن موتك كان اختيارا منك» إنّما يريد قول النبى ﷺ: لم يقبض نبىّ حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخيّر.
قالت عائشة ﵂: فسمعته وقد شخص بصره وهو يقول: فى الرفيق الأعلى! فعلمت أنه خيّر، فقلت: لا يختارنا إذن، وقلت: هو الذى كان يحدثنا. وهو صحيح.
وكان أبو بكر لما توفى رسول الله ﷺ في أرضه بالسّنح «٤» فتواترت إليه الرسل، فأتى وقد ذهل الناس، فكانوا كالخرس، وتفرقت أحوالهم، واضطربت أمورهم، فكذّب بعضهم بموته، وصمت آخرون فما تكلّموا إلا بعد [التغير]، وخلط آخرون فلاثوا «٥» الكلام بغير بيان، وحق لهم ذلك للرزيّة
1 / 67