ذلك الجيل. ولو أن الخوارزمى دوّن بدوره تلك المناظرة لرأينا وجهين في بسط ذلك الحادث الأدبى، واستطعنا أن نستخلص من مقابلة النصين نفس الرجلين، ولكن الهمذانى تكلم وحده؛ فعرفنا فقط مبلغ زهوه وكبريائه وطمعه في كبت كاتب كان يومئذ على رأس الكاتبين.
أما خصومة التوحيدى لابن عباد فترجع فيما ذكر كتاب التراجم إلى سبب مادى، وذلك أن التوحيدى رغب في مال ابن عباد وجاهه، فضاق عنه صدر هذا، فكتب التوحيدى كتابه «أخلاق الوزيرين» وهو كتاب جارح كشف به عورات ابن العميد وابن عباد. ثم عاد إليهما بالتجريح أيضا في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» وأسلوبه في الهجاء أسلوب خطر فظيع؛ إذ يختلق الحوادث والإشارات وينطفهما برسائل ومقطوعات تهوى بهما إلى الحضيض. ويعتبر التوحيدى من الوجهة الفنية رجلا خصب الذهن، غنى اللغة، وافر المحصول، قوى الخيال.
وقد تنبه المتأدبون إلى تحامل التوحيدى وإسرافه في التعصب والتحامل وشاع الاعتقاد بأن كتابه «أخلاق الوزيرين» كتاب مشئوم، لا يملكه أحد إلا انعكست أحواله، ويذكر ابن خلكان أنه جرب هذا وجر به من يثق به «١» فإذا صح هذا الوهم كان التوحيدى قد عوقب على بغيه وظلمه وبهتانه؛ فقد أنظر الصاحب بن عباد بعبارات مخجلة يندى لها وجه القارى، وينفر منها الطبع والذوق، وإن كانت وضعت بأسلوب شائق خلاب.
1 / 31