على بينة من الروح الذى استوحاه مؤلف زهر الآداب.
أظهر ميزة في ذلك العصر هي إجادة الوصف، فقد اهتم كتّابه اهتماما عظيما بوصف ما وقعت عليه أعينهم أو جرى في خواطرهم، ولم يكن الوصف عندهم مما يأتى عفوا عند المناسبات الطارئة، كما كان الحال في أوائل العصر الإسلامى، لا، بل تعمدوا استقصاء الموضوعات الوصفية: فأطالوا الحديث عن الأزهار، والرياض، والنبات، والنسيم، والرياح، والليل، والنجوم، والجداول، والغدران، والأنهار، والبحار، والأحواض، والقصور، ومنازل اللهو، ومجالس الشراب، والنساء، والغلمان، والجوارى السود، والقيان، وآلات الطرب، ومحاسن الشباب، وأهوال المشيب، والرعد والبرق، والمطر والثلج، والصحو، والبلاغة والشعر والنثر، والخيل، والسيوف، والنار، والأفاعى، والثعابين، والطيور، والأطعمة، والفواكه، والسكاكين، والكؤوس، والخواتم، والحلى، والقلائد، والمحابر، والأقلام، والسفن، والذواب، والجيوش، والأساطيل، وأيام الصيف والشتاء والربيع.
وأطنبوا في وصف المعانى الوجدانية، كما أطنبوا في وصف المرئيات، فتكلموا عن أهواء النفوس ونزعلتها، فوصفوا الحقد، والبغض، والكرم، والنبل، وعرضوا لما يقع لأهل المهن وللرؤساء من الهنات والعورات. كل ذلك بطريقة مقصودة تدل على أنه كان لهم برنامج خاص لم يعرفه أسلافهم. وهذا المذهب له عيوبه ومزاياه: فعيبه أنه حملهم على التكلف والإسراف، وحسنه أنه حملهم على تنظيم أفكارهم، وترتيب أغراضهم، فإن القارىء يرى لهم قوة في تصوير المرئيات والمعنويات لا يراها لمن سبقوهم، وذلك بفضل هذا الاتجاه الذى جعل في عصرهم مدرسة وصفية لا نراها في عصر الخلفاء ولا عهد بنى أمية ولا أوائل أيام بنى العباس.
ولا ننكر أن الكتّاب السابقين أجادوا الوصف في كثير من الموضوعات
1 / 24