أحدهما: أنهم أهبطوا جملة، لكنهم نزلوا في بلاد متفرقة، قاله كعب «١»، ووهب.
والثاني: أنهم أهبطوا متفرقين، فهبط إبليس قبل آدم، وهبط آدم بالهند، وحواء بجُدَّة، وإِبليس بالأبلَّة «٢»، قاله مقاتل. وروي عن ابن عباس أنه قال: أهبطت الحية بنصيبين، قال: وأمر الله تعالى جبريل بإخراج آدم، فقبض على ناصيته وخلصه من الشجرة التي قبضت عليه، فقال: أيها الملك ارفق بي. قال جبريل: إني لا أرفق بمن عصى الله، فارتعد آدم واضطرب، وذهب كلامه، وجبريل يعاتبه في معصيته، ويعدّد نعم الله عليه، قال: وأُدخل الجنة ضحوة، وأُخرج منها بين الصلاتين، فمكث فيها نصف يوم، خمسمائة عام مما يعد أهل الدنيا.
وفي العداوة المذكورة هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذرية بعضهم أعداء لبعض، قاله مجاهد.
والثاني: أن إبليس عدو لآدم وحواء، وهما له عدو، قاله مقاتل. والثالث: أن إبليس عدو للمؤمنين، وهم أعداؤه، قاله الزجاج.
وفي المستقر قولان: أحدهما: أن المراد به القبور، حكاه السدي عن ابن عباس. والثاني:
موضع الاستقرار، قاله أبو العالية، وابن زيد، والزجاج، وابن قتيبة، وهو أصح. والمتاع: المنفعة.
والحين: الزمان. قال ابن عباس: إِلى حِينٍ، أي: إلى فناء الأجل بالموت.
[سورة البقرة (٢): آية ٣٧]
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)
قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ. تلقّى: بمعنى أخذ، وقبل. قاله ابن قتيبة: كأن الله تعالى أوحى إليه أن يستغفره ويستقبله بكلام من عنده، ففعل ذلك آدم فتاب عليه. وقرأ ابن كثير:
(فتلقى آدمَ) بالنصب، (كلماتٌ) بالرفع على أن الكلمات هي الفاعلة.
وفي الكلمات أقوال: أحدها: أنها قوله تعالى: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ «٣»، قاله ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء الخراساني، وعبيد بن عمير، وأبيّ بن كعب، وابن زيد «٤» . والثاني: أنه قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال:
ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال: بلى، قال: ألم تسبق رحمتك إِليّ قبل غضبك؟ قال: بلى. قال: ألم تسجد لي ملائكتك وتسكني جنتك؟ قال: بلى. قال: أي ربّ، إِن تبت وأصلحت، أراجعي أنت إِلى الجنة؟ قال: نعم. حكاه السدي عن ابن عباس. والثالث: أنه قال: اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فارحمني، فأنت خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك،
_________
(١) كعب: هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار، كان من أهل اليمن فسكن الشام، توفي في آخر خلافة عثمان، وقد زاد على المائة.
وليس له في البخاري رواية إلّا حكاية معاوية فيه.
(٢) في «معجم البلدان» الأبلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة.
(٣) الأعراف: ٢٣.
(٤) هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وانظر تراجم هؤلاء في المقدمة.
1 / 57