نجاوزها إلى العشر الأخر حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل.
وروى قتادة عن الحسن أنّه قال: ما أنزل الله آية إلا أحبّ أن أعلم فيم أنزلت، وماذا عنى بها.
وقال إياس بن معاوية: مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا، وليس عندهم مصباح، فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه، فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه.
فصل: اختلف العلماء: هل التّفسير والتّأويل بمعنى، أم يختلفان؟ فذهب قوم يميلون إلى العربية إلى أنهما بمعنى، وهذا قول جمهور المفسّرين المتقدّمين. وذهب قوم يميلون إلى الفقه إلى اختلافهما، فقالوا: التفسير: إخراج الشيء من مقام الخفاء إلى مقام التّجلّي. والتأويل: نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، فهو مأخوذ من قولك: آل الشيء إلى كذا، أي:
صار إليه.
فصل في مدّة نزول القرآن
روى عكرمة عن ابن عباس قال: أُنزلَ القرآنُ جملة واحدة من اللّوح المحفوظ في ليلة القدر إلى بيت العزّة، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة «١» . وقال الشعبي: فرّق الله تنزيل القرآن، فكان بين أوله وآخره عشرون سنة. وقال الحسن: ذكر لنا أنه كان بين أوّله وآخره ثماني عشرة سنة، أنزل عليه بمكة ثماني سنين، وبالمدينة عشر سنين.
فصل: واختلفوا في أول ما نزل من القرآن:
(٢) فأثبت المنقول أنّ أول ما نزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «٢»، رواه عروة عن عائشة وبه قال
_________
صحيح. أخرجه البخاري ٣ ومسلم ١٦٠ وأحمد ٦/ ٢٣٢- ٢٣٣. والطيالسي ١٤٦٧ وابن حبان ٣٣ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ١٣٥- ١٣٦ من حديث عائشة أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» قال:
«فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ! قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ! قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» . فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ﵂ فقال: «زملوني زملوني»، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي» فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى- ابن عم خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله ﷺ: «أو مخرجي هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي. واللفظ للبخاري.
_________
(١) موقوف حسن، وسيأتي تخريجه إن شاء الله.
(٢) العلق: ١.
1 / 12