يريد: لكي نكف، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل وقطرب وابن كيسان.
والثاني: أنها بمعنى الترجي، ومعناها: اعبدوا الله راجين للتقوى، ولأن تقوا أنفسكم- بالعبادة- عذاب ربكم. وهذا قول سيبويه. قال ابن عباس: لعلكم تتقون الشرك، وقال الضحاك: لعلكم تتقون النار. وقال مجاهد: لعلّكم تطيعون.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٢]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)
قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا. إنما سميت الأرض أرضًا لسعتها، من قولهم:
أرِضت القرحة: إذا اتسعت، وقيل: لانحطاطها عن السماء، وكل ما سفل: أرض، وقيل: لأن الناس يرضونها بأقدامهم، وسميت السماء سماء لعلوها. قال الزجاج: وكل ما علا على الأرض فاسمه بناء، وقال ابن عباس: البناء ها هنا بمعنى السقف.
قوله تعالى: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ، يعني: من السحاب، ماءً يعني المطر. فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا، يعني: شركاء، أمثالا. يقال: هذا ند هذا، ونديده. وفيما أريد بالأنداد ها هنا قولان:
أحدهما: الأصنام، قاله ابن زيد. والثاني: رجال كانوا يطيعونهم في معصية الله، قاله السدي. قوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فيه ستة أقوال: أحدها: وأنتم تعلمون أنه خلق السماء، وأنزل الماء، وفعل ما شرحه في هذه الآيات، وهذا المعنى مرويّ عن ابن عباس وقتادة ومقاتل. والثاني: وأنتم تعلمون أنه ليس ذلك في كتابكم التوراة والانجيل، روي عن ابن عباس أيضًا، وهو يخرج على قول من قال:
الخطاب لأهل الكتاب. والثالث: وأنتم تعلمون أنه لا ند له، قاله مجاهد. والرابع: أن العلم ها هنا بمعنى العقل، قاله ابن قتيبة. والخامس: وأنتم تعلمون أنه لا يقدر على فعل ما ذكره أحد سواه. ذكره شيخنا علي بن عبيد الله. والسادس: وأنتم تعلمون أنها حجارة، سمعته من الشيخ أبي محمد بن الخشّاب.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٣]
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣)
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ. سبب نزولها أن اليهود قالوا: هذا الذي يأتينا به محمد لا يشبه الوحي، وإنا لفي شك منه، فنزلت هذه الآية. وهذا مروي عن ابن عباس ومقاتل. و«إن» ها هنا لغير شك، لأن الله تعالى علم أنهم مرتابون، ولكن هذا عادة العرب، يقول الرجل لابنه: إن كنت ابني فأطعني. وقيل: إنها ها هنا بمعنى إِذ، قال أبو زيد: ومنه قوله تعالى: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «١» . قوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، قال ابن قتيبة: السورة تهمز ولا تهمز، فمن همزها جعلها من أسأرت، يعني أفضلت كأنها قطعة من القرآن، ومن لم يهمزها جَعلها من سُورةَ البناء، أي منزلة بعد منزلة. قال النّابغة في النّعمان:
_________
(١) البقرة: ٢٧٨.
1 / 43