والسادس: أنه للشك في حق المخاطبين، إذ الشك مرتفع عن الحق ﷿، ومثله قوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ «١»، يريد: الإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون.
فأما التفسير لمعنى الكلام: أو كأصحاب صيب، فأضمر الأصحاب، لأن في قوله: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ، دليلًا عليه. والصيب: المطر. قال ابن قتيبة: هو فيعل من صاب يصوب: إذا نزل من السماء، وقال الزجاج: كل نازل من علو إلى استفال، فقد صاب يصوب، قال الشاعر «٢»:
كأنهمُ صابت عليهم سحابة ... صواعقها لطيرهن دبيب
وفي «الرعد» ثلاثة أقوال:
(١٧) أحدها: أنه صوت ملك يزجر السحاب، وقد روي هذا المعنى مرفوعا إلى النبيّ ﷺ، وبه
_________
الراجح وقفه. أخرجه الترمذي ٣١١٧ والنسائي في «الكبرى» ٩٠٧٢ وأحمد ١/ ٢٧٤ والطبراني في «الكبير» ١٢٤٢٩ وابن مندة في «التوحيد» ٤٨ وأبو نعيم ٤/ ٣٠٥ وأبو الشيخ في «العظمة» ٧٦٩ كلهم من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى النبي ﷺ، فقالوا يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال ملك من الملائكة موكّل بالسّحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله، فقالوا فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر، قالوا صدقت. فأخبرنا عما حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال اشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلّا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها، قالوا صدقت، قال الترمذي: حسن غريب اه. ومداره على بكير، وهو مقبول، لا يحتج بما ينفرد به، وثقه ابن حبان وحده، وقال أبو حاتم: شيخ. ولم يرو إلّا هذا الحديث. وأخرجه الطبراني في «الكبير»: (١٢٤٢٩) مطوّلا، وفيه أبو نعيم ضرار بن صرد، وهو ضعيف، وفيه أيضا، بكير بن شهاب.
وقال ابن مندة: هذا إسناد متصل، ورواته مشاهير ثقات!!. كذا قال ﵀، والصواب أنه تفرد به راو شبه مجهول، لم يوثقه سوى ابن حبان على قاعدته في توثيق المجاهيل، ولم يرو إلّا هذا الحديث الواحد، فمثله غير حجة، وهو غير معروف بحمل العلم. وقال أبو نعيم: غريب من حديث سعيد- بن جبير- تفرد به بكير.
- وله شاهد بإسناد ساقط: أخرجه ابن مردويه كما في «الدر المنثور» ٤/ ٩٥ من حديث جابر.
- وذكر الحافظ في «تخريج الكشاف» ٢/ ٥١٩ بعض إسناده حيث قال: وفي الطبراني الأوسط عن أبي عمران الكوفي عن ابن جريج وعن عطاء عن جابر، مختصرا فذكر فيه الرعد. سكت عليه الحافظ، وإسناده ساقط، أبو عمران الكوفي لم أجد له ترجمة، وابن جريج مدلس، وقد عنعن. والحديث لم أره في معاجم الطبراني بعد بحث، ولا في «المجمع» مع أنه ذكر حديث ابن عباس، والظاهر أنه تفرد به ابن مردويه كما في «الدر» وبكل حال الإسناد ساقط. لكن ورد في ذلك آثار عن ابن عباس وعلماء التفسير من التابعين. انظر «الدر المنثور» ٤/ ٩٤- ٩٧، و«جامع البيان» ٤١٩- ٤٤٢، وذكره الألباني في «الصحيحة» ١٨٧٢. قلت:
المرفوع، لا يثبت، ولا يحتج بإسناده، والأشبه كونه موقوفا، والله أعلم كذا جاء في روايات كثيرة عن ابن عباس في أن الرعد ملك وورد عن مجاهد وعكرمة وغيرهما. ولو صح هذا مرفوعا لما تكلم هؤلاء من تلقاء أنفسهم في ذلك. ومما يدل على عدم ثبوت المرفوع، هو أن البغوي ذكر في «تفسيره» ١/ ٥٣ أثر علي وابن عباس ومجاهد وغيرهم ولم يذكر المرفوع. وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ١٣٦٥ عن معمر قال: سألت الزهري عن الرعد: ما هو؟ فقال: الله أعلم. الخلاصة: هذا كله دليل على عدم ثبوت المرفوع، وأن الصواب في ذلك هو الموقوف والمقطوع، والله أعلم.
_________
(١) الروم: ٢٧.
(٢) هو علقمة بن عبده كما في «جامع البيان» ١/ ١٨٢ للطبري.
1 / 39