[سورة البقرة (٢): آية ١٨٠]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)
قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ. قال الزجاج: المعنى: وكتب عليكم، إلا أن الكلام إذا طال استغنى عن العطف بالواو. وعلم أن معناه معنى الواو، وليس المراد: كتب عليكم أن يوصي أحدكم عند الموت، لأنه في شغل حينئذ، وإنما المعنى: كتب عليكم أن توصوا وأنتم قادرون على الوصية، فيقول الرجل: إذا أنا متُّ، فلفلان كذا، فأما الخير هاهنا فهو المال في قول الجماعة. وفي مقدار المال الذي تقع هذه الوصية فيه ستة أقوال: أحدها: أنه ألف درهم فصاعدًا، روي عن علي، وقتادة. والثاني: أنه سبعمائة درهم فما فوقها، رواه طاوس عن ابن عباس. والثالث:
ستون دينارًا فما فوقها، رواه عكرمة عن ابن عباس. والرابع: أنه المال الكثير الفاضل عن نفقة العيال.
قالت عائشة لرجل سألها: إني أُريد الوصية، فقالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟
قال: أربعة. قالت: هذا شيء يسير، فدعه لعيالك. والخامس: أنه من ألف درهم إلى خمسمائة، قاله إبراهيم النخعي. والسادس: أنه القليل والكثير، رواه معمر عن الزهري. فأما المعروف فهو الذي لا حيف فيه.
فصل: وهل كانت الوصية ندبًا أو واجبة؟ فيه قولان: أحدهما: أنها كانت ندبًا. والثاني: أنها كانت فرضًا، وهو أصح، لقوله تعالى: كُتِبَ، ومعناه: فرض. قال ابن عمر: نسخت هذه الآية بآية الميراث. وقال ابن عباس: نسخها: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ. والعلماء متفقون على نسخ الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون، وهم مختلفون في الأقربين الذين لا يرثون: هل تجب الوصية لهم؟ على قولين، أصحّهما أنها لا تجب لأحد «١» .
[سورة البقرة (٢): آية ١٨١]
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١)
قوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ، قال الزجاج: من بدل أمر الوصية بعد سماعه إياها، فانما إثمه على مبدله، لا على الموصي، ولا على الموصى له إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما قد قاله الموصي عَلِيمٌ بما يفعله الموصى إليه.