Zacim Thair Ahmad Curabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Genres
ويقول جون نينيه عن هذه الوقعة: «إن إصابة القائدين الباسلين راشد باشا حسني وعلي باشا فهمي، فيها كانت خسارة كبرى مني بها الجيش المصري لا تقل في فداحتها عن أسر محمود باشا فهمي.»
ويذكر المستر بلنت نقلا عن رواية المصريين له عن المعركة أن الإنجليزي فوجئوا بهجوم الجيش المصري، وكاد الدوق أوف كنوت يقع أسيرا، ولكن حدث نقص في تنفيذ خطة الهجوم، وذلك أنه كان على محمود باشا سامي البارودي أن يتحرك من الصالحين في ألفي مقاتل ليلا ويهاجم في الصباح ميمنة الإنجليز، ولكنه ضل الطريق فلم يصل في الميعاد ولم يشترك في المعركة، وثمة نقص آخر ذكره المستر بلنت، وهو أن عرابي كان واجبا عليه أن يشترك في هذه المعركة، ولو في مؤخرة الجيش إن لم يكن في المقدمة، ولكنه جمد في التل الكبير، ولم تظهر في الميدان جميع قوة الجيش التي كان يجب استخدامها، وكان من عوامل الهزيمة خيانة الضابط علي يوسف خنفس.
كانت هزيمة الجيش المصري في واقعة القصاصين الثانية ضربة شديدة، كشفت الموقف الحربي ودلت على ضعف الجبهة المصرية أمام الهجوم الإنجليزي ... وقد ظهر الاضطراب على زعماء العرابيين وبخاصة عرابي ومحمود سامي البارودي، وبدأ اليأس يتسرب إلى قلوبهم، وأدرك عرابي بعد فوات الفرصة أنه لو سد قناة السويس عند ابتداء الحركات العدائية، لما بلغ الإنجليز الإسماعيلية بهذه السرعة، وما تقدموا في داخل البلاد بهذه السهولة ... فأخذ يعالج الموقف في كثير من التردد واليأس، وبدأ بعد وقعة القصاصين في إرسال الجرحى إلى العاصمة، إذ أقلتهم القطر الخاصة إلى العباسية، ومنهم القائدان الباسلان؛ راشد باشا حسني وعلي باشا فهمي، واستدعى علي باشا الروبي قومندان موقع مريوط ليتولى قيادة جيش رأس الوادي، فحضر عصر يوم الثلاثاء 12 سبتمبر سنة 1882، وأخذ يتفقد مواقع الجيش في التل الكبير، الذي أصبح بعد وقعة القصاصين هدف الإنجليز في هجومهم. (13) معركة التل الكبير
تقع شرقي محطة التل الكبير على الضفة اليسرى لترعة الإسماعيلية هضبة تعلو السكة الحديدية بثلاثين مترا، وتمتد بانحدار خفيف نحو الصالحية ونحو «القصاصين». وكانت خطوط الدفاع المصرية في «التل الكبير» تبتدئ من السكة الحديدية، وتمتد بطول ستة كيلومترات متجهة من الجنوب إلى الشمال، ويحمي معاقل الجند خنادق جافة عرضها من مترين إلى ثلاثة وعمقها متر أو متران، ووراء الخطوط الأمامية خطوط أخرى تمتد إلى معسكر التل الكبير الواقع على السكة الحديدية، ولم يكن عرابي قد أتم خطوط الدفاع قبل نشوب المعركة، ولم تكن هي ذاتها محكمة الوضع؛ لأنها أقيمت على عجل، وليس بها العدد الكافي من الجند لصد هجمات الأعداء.
وكان الجيش المصري في التل الكبير - كما قدره الجنرال ولسلي - مؤلفا من 24 طابورا وثلاثة آلايات من الفرسان وستة آلاف من البدو، وكان عرابي يشرف على حركات القتال ... ولكنه لم يتول القيادة الفعلية التي عهد بها إليه علي باشا الروبي، وبلغت مدافع هذا الجيش من 60 إلى 70 مدفعا. ويقول المستر بلنت: «إن جيش عرابي بالتل الكبير لم يكن يزيد على عشرة آلاف أو اثني عشر ألف جندي، والباقون كانوا من المجندين الأحداث، الذين لم يسبق لهم إطلاق بندقية واحدة. أضف إلى ذلك أن خيرة الجنود لم يكونوا بالتل الكبير، بل كانوا في كفر الدوار بقيادة طلبة باشا عصمت، أو في دمياط بقيادة عبد العال باشا حلمي، وهؤلاء لم يشتركوا قط في المعركة.»
وكان من حسن التدبير أن يستدعي عرابي على الأقل الآلاي المرابط في دمياط؛ لأنه كان يحتوي على خيرة الجند المدربين، ولكنه لم يفعل ... ولم يأت من هذا الآلاي سوى أورطتين مع مسيس الحاجة إليه، وعهد عرابي بالقيادة في معركة التل الكبير إلى علي باشا الروبي، ولم يكن على حظ ما من الكفاية الحربية ... أضف إلى ذلك أنه كان إلى ما قبل المعركة قائدا لفرقة مريوط، واستدعاه عرابي إلى التل الكبير بعد إصابة راشد باشا حسني في القصاصين، فحضر قبل الواقعة بيوم واحد، وهو وقت لا يكفي لتعرف مواقع القتال في تلك الناحية، ووضع الخطط الصالحة للدفاع.
وزحف الجنرال ولسلي على التل الكبير في أحد عشر ألفا من المشاة و2000 من الفرسان ومعه ستون مدفعا، وكان الهجوم من الناحية الشمالية للتل الكبير، إذ كانت أصلح للزحف من الجهة الجنوبية المكونة من أراض زراعية تخترقها الترع والأقنية وتعوق سير الجنود، واعتزم الزحف ليلا لكي يوفر على جنوده عناء المسير في شمس النهار المحرقة، وسط رمال الصحراء وفي أرض مكشوفة، وقد رجح عنده الزحف في الظلام ما لاحظه حين كان يستطلع مواقع المصريين في التل الكبير من أنهم لا يضعون الطلائع أمام الاستحكامات إلا من الساعة الخامسة صباحا، وهذا نقص كبير في الدفاع، فأراح ولسلي جيشه يوم 21 سبتمبر ...
وفي مساء هذا اليوم تأهب للزحف، ولما جن الليل بدأ الجيش الإنجليزي يتحرك من القصاصين في منتصف الساعة الثانية صباحا، وكان الظلام حالكا، وأصدر الجنرال ولسلي تعليماته بأن تطفأ كل الأنوار أثناء السير، حتى لا يشعر العرابيون بزحفه ، وكان يتقدم الجيش بعض ضباط الأسطول، الذين لهم دراية بالاسترشاد بالنجوم لمعرفة خط السير في الصحراء، ولكن هؤلاء لم يكن في استطاعتهم الاهتداء إلى مسالك الصحراء، بل كان المرشدون الحقيقيون بعض عربان الهنادي، ممن اشترى الإنجليز ذممهم واتخذوهم عيونا لهم وجواسيس.
ومن العجيب أن يقطع الجيش الإنجليزي المسافة بين القصاصين والتل الكبير - وهي تبلغ خمسة عشر كيلومترا - دون أن تصادفهم طلائع المصريين، ولو كان الدفاع محكما لما فات عرابي أن يجعل لجيشه طلائع على مسافات بعيدة ينبئونه بحركات الجيش الإنجليزي، واستمر الإنجليز في زحفهم حتى مطلع الفجر، وعندئذ صارت كتائبهم على مسافة 150 ياردة من التل الكبير، وقد فوجئ المصريون بالهجوم إذ كانوا نائمين بعد أن سهروا في سماع ذكر أرباب الطرق، فاستيقظوا على صوت البنادق، ولم يكد يضربون نفير الحذر حتى أمر الجنرال ولسلي جنوده بالهجوم ... فابتدأ في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والأربعين صباحا، وكان على شكل نصف دائرة أحاطت بمعسكر العرابيين، فاقتحمت الجنود الإنجليزية الاستحكامات الأمامية، وأطلق رماتها القنابل والبنادق عليهم، وقتل منهم في هذه الهجمة نحو مائتين قبل أن يصلوا إلى الخنادق.
ولكن الهجوم كان فجائيا شديدا، فاستولى الإنجليز على الاستحكامات الأمامية ... وبعد هنيهة هجموا على خط الاستحكامات الثاني، واتجهت فرقة منهم تجوس خلال الاستحكامات ففتكت بنادقهم بالمصريين فتكا ذريعا، وهجم فرسان الجيش البريطاني بقيادة الجنرال دروري لو على ميسرة العرابيين متجهين صوب محطة التل الكبير، فأحدقوا بها. وأخذ المصريون على غرة في الميمنة والميسرة، وصمد للدفاع آلايان من السودانيين بقيادة الأميرالاي محمد عبيد، وظلوا يدافعون الإنجليز حتى استشهد معظمهم، وقتل قائدهم البطل محمد عبيد، واستبسل أيضا في القتال آلاي من البيادة بقيادة أحمد بك فرج وآلاي عبد القادر عبد الصمد، وكذلك أبلى اليوزباشي حسن أفندي رضوان (الفريق حسن باشا رضوان فيما بعد) بلاء حسنا في الوقعة إذ كان قومندانا للطوبجي، فلما فوجئ المصريون بهجوم الجيش الإنجليزي اختل نظامهم ... لكن اليوزباشي حسن رضوان صمد للمهاجمين، وأخذت مدافعه تصلي الإنجليز نارا حامية وكبدتهم خسائر جسيمة، وجرح هو في تلك الوقعة. وقد أعجب الجنرال ولسلي ببسالته وترك سيفه احتراما له، ولم يزد عدد الجنود الذين اشتركوا في المعركة على ثلاثة آلاف، أما الباقون فقد تولاهم الذعر، فألقوا أسلحتهم ولاذوا بالفرار، ولم تدم المعركة أكثر من عشرين دقيقة لم تزد خسائر الإنجليز فيها على 57 قتيلا منهم 9 ضباط و48 صف ضابط وجنديا و402 جرحى منهم 27 من الضباط، أما خسائر المصريين فقد تراوحت بين 1500 قتيل أو 2000، وغنم الإنجليز مدافع المصريين، واستولوا على جميع مهمات الجيش وذخائره ومئونته ...
Unknown page