Zacim Thair Ahmad Curabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Genres
وكان المظنون لدى عرابي وصحبه أن لا يتخذ الإنجليز قناة السويس ميدانا للزحف أو للحركات الحربية احتراما لحيدة القناة ... ولكن العارفين بالحقائق كانوا على يقين من أنهم لا يرعون للقناة حرمة، كما لم يرعوا حرمة المعاهدات في ضربهم الإسكندرية، فكانت خطتهم أن يهاجموا مصر من ناحية الإسماعيلية، متجهين من طريق الزقازيق إلى القاهرة.
خطة العرابيين في القتال
عين عرابي محمود باشا فهمي رئيسا لأركان حرب الجيش المصري عقب ضرب الإسكندرية، فوضع خطة سديدة للدفاع عن البلاد لو اتبعت بإحكام، لصدت تقدم الإنجليز وأنقذت مصر من غارتهم ... وكان محمود فهمي من أكفأ المهندسين الحربيين، وخلاصة خطته أنه عين خمسة مواقع رئيسة للدفاع: الأول في كفر الدوار، والثاني في رشيد، والثالث بين رشيد وبحيرة البرلس، والرابع في دمياط، والخامس في الصالحية والتل الكبير لصد الهجوم من ناحية قناة السويس، وقد أشار في بداية الحرب بسد ترعة الإسماعيلية لمنع وصول المياه العذبة إلى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، وسد قناة السويس ذاتها لمنع الإنجليز من اتخاذها قاعدة عسكرية.
ولو سدت قناة السويس في بداية القتال لامتنع الاتصال بين القوات الإنجليزية الآتية من البحر الأبيض المتوسط والقوات الآتية من الهند، واستحال عليها الوصول إلى الإسماعيلية من طريق القناة، وفي هذه الحالة يضطر الجنرال ولسلي إلى المغامرة بجيشه في الصحراء الشرقية حيث لا ماء ولا كلأ، أو يهاجم مصر عن طريق الدلتا، فتعوق الترع والجسور زحفه وخاصة في أيام الفيضان (أغسطس-سبتمبر ). ولكن عرابي لم يستمع لنصيحة محمود فهمي وخشي عواقبها، وظن أن الإنجليز يحترمون حياد القناة فلا يتخذونها قاعدة للزحف، فكان هذا الخطأ أكبر عامل في إخفاق خطة الدفاع التي وضعها محمود فهمي، واكتفى عرابي بإقامة معسكر في التل الكبير على بعد نحو خمسين كيلومترا من الإسماعيلية، و110 كيلومترات من القاهرة حشد فيها جانبا من الجيش، ولكنه وزع معظم قواته في كفر الدوار وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ... فكان الجنود السودانيون وهم من خيرة الجنود مرابطين في دمياط بقيادة عبد العال حلمي، ورابط في رشيد فيلق كبير، واستقر معظم الجيش بقيادة طلبة عصمت في كفر الدوار، ومع أن الإنجليز استعجلوا الحركات العدائية في قناة السويس وكانت هذه الحركات نذيرا كافيا لعرابي بما اعتزموه من خرق حياد القناة، فإن عرابي جبن عن العمل بنصيحة محمود فهمي في سدها. •••
ولقد بكر الإنجليز في خرق حرمة قناة السويس واتخاذها ميدانا للحركات العدائية ... وتدل الظروف والملابسات على أنهم كانوا مصرين على اختلاق الذرائع لاحتلالها، كما اختلقوها لضرب الإسكندرية، فقد تعللوا بأن ثمة ترميمات تجرى في طابية «الجميل» على مدخل بحيرة المنزلة غربي بورسعيد، وأصدرت الحكومة البريطانية في 22 يوليو سنة 1882 تعليماتها إلى الأميرال سيمور باحتلال بورسعيد والإسماعيلية، وفي 26 يوليو سنة 1882 اقتحمت السفينة الحربية الإنجليزية «أوريون» بقيادة الكابتن «فتزوري» القناة عند بورسعيد، وألقت مراسيها يوم 27 منه في بحيرة التمساح على بعد ثمانمائة متر من الإسماعيلية، ولم يكد يمضي على دخولها القناة يومان حتى وصل الأميرال «هويت» إلى السويس، والأميرال «هوبكنس» إلى بورسعيد، واستقر كل منهما في موقفه ينتظر التعليمات الخاصة باحتلال القناة. •••
وهذه الحركات الحربية المبكرة في ناحية القناة، كانت تنم عما اعتزمه الإنجليز في بداية القتال من الزحف من طريق قناة السويس ... ولكن عرابي مع ذلك ظل غافلا عن هذه النية!
واحتل الإنجليز مدينة السويس في 2 أغسطس، وظل عرابي برغم احتلالها يعتقد حرمة قناة السويس، بحجة أن القناة إنما تبتدئ من «بور توفيق» ضاحية السويس - والتي لا تبعد عنها إلا بثلاثة كيلومترات - وكان احتلال السويس نذيرا آخر باتخاذ الإنجليز لها قاعدة للزحف على العاصمة، وقد تحرك المدد من الهند بعد سبعة أيام من احتلالها. (2) وقائع الميدان الغربي
نقصد بالميدان الغربي ما بين الإسكندرية وكفر الدوار ... تمييزا له عن الميدان الشرقي من الإسماعيلية إلى التل الكبير.
لقد وجه عرابي كل عنايته إلى تحصين مواقعه في الميدان الغربي، وأهمل الميدان الشرقي إهمالا تاما، مما كان السبب الأكبر في الهزيمة ... فأنشأ الاستحكامات المنيعة في مواقع الدفاع، مما يلي الرمل جنوبا إلى كفر الدوار بين بحيرة أبو قير وملاحة مريوط، ووضع محمود فهمي تصميم هذه المواقع بمعاونة الأميرالاي محمد بك شكري، وهو من أكفأ ضباط أركان حرب الجيش المصري ... فكانت مؤلفة من ثلاثة خطوط للدفاع، يبعد كل واحد عما يليه بأربعة أو خمسة كيلومترات، وأمام كل خط خندق عمقه خمس عشرة قدما، وأقيمت المعاقل على جميع المرتفعات والآكام، وركبت فيها المدافع وعددها خمسون مدفعا. (3) واقعة الرمل
تحرك الإنجليز يوم السبت 5 أغسطس سنة 1882 يريدون التقدم من جهة «الرمل» بأورطتين من المشاة وأورطتين من الفرسان ... فلما صاروا على بعد ألف وخمسمائة متر من موقع المصريين، التقى بهم البكباشي أحمد أفندي البيار والبكباشي مصطفى أفندي حسان، ومعهما أورطتان من المشاة وأورطتان من الفرسان، وصدوهم عن التقدم ... ثم جاء خورشيد باشا طاهر قومندان خط الدفاع في أبو قير ومعه ثلاثة بلوكات من الفرسان، فهجم المصريون على الإنجليز هجوما شديدا واضطروهم إلى التقهقر، إذ ولوا الأدبار منهزمين بعد أن دام القتال ثلاث ساعات ونصفا ...
Unknown page