Zacim Thair Ahmad Curabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Genres
في ليلة السبت 16 شوال سنة 1298/ 10 سبتمبر سنة 1881 استعفت نظارة دولتلو رياض باشا فقبل استعفاؤها، وكلف دولتلو شريف باشا بتشكيل نظارة جديدة.
وزارة الأمة
حضر شريف باشا إلى العاصمة في اليوم التالي - 10 سبتمبر سنة 1881 - وذهب إليه عرابي في منزله، وهنأه برياسة الوزارة وفاوضه في أشخاص الوزارة الذين يؤلف منهم وزارته.
وكان طبيعيا أن يتدخل عرابي في تأليف الوزارة، ويكون له رأي في أشخاصها؛ لأنه هو الذي توصل بقوة الجيش إلى إسقاط وزارة رياض باشا، واختيار شريف باشا ذاته للرياسة، ولم يكن شريف يجهل ذلك أو يتجاهله، ولكنه كان رجلا أنوفا، مستقل الرأي، حفيظا على كرامته، لا يقبل أن يتلقى الأوامر من غيره، فضلا عن أنه كان يشعر في خاصة نفسه بخطر تدخل الجيش في السياسة، وأنه إذا استمر هذا التدخل وصار قاعدة متبعة في إدارة الشئون العامة، فإنه يؤدي إلى فساد الإدارة الحكومية، ويفضي إلى إنشاء دكتاتورية عسكرية لا يؤمن معها عدل أو حرية أو دستور؛ ولذلك اجتهد في وضع حد للتدخل العسكري في شئون الحكومة.
أما فيما يتعلق باختيار أعضاء وزارته، وتدخل عرابي في هذا الصدد، فإن هذا التدخل جعله يتردد أياما في قبول رياسة الوزارة ... فقد رغب إليه عرابي أثناء المقابلة الأولى في اختيار محمود سامي باشا البارودي للحربية، ومصطفى فهمي باشا للخارجية «لما يعلمه من ميلهما إلى العدل والحرية» - كما قال عرابي - ولم يكن هذا اعتقاد شريف باشا فيهما، وقد صارح عرابي أنه لا يقبل اشتراكهما معه في الوزارة؛ لأنهما حين كانا عضوين في وزارته السابقة التي ألفها في أول عهد الخديو توفيق تعاهدا وإياه، كما تعاهد سائر الوزراء على أنه إذا رفض الخديو الموافقة على تشكيل مجلس النواب، استقالت وزارته على أن لا يشترك أحد من أعضائها في الوزارة التي تخلفها ما لم يقبل الخديو تشكيل المجلس النيابي ... فنكث البارودي ومصطفى فهمي عهدهما. •••
ولكن عرابي كان حريصا على إسناد وزارة الحربية إلى البارودي لما ثبت من ولائه للحركة وإخلاصه للجيش، ولم ينس أنه على يده حين تولى وزارة الحربية أجيبت مطالب العرابيين الأولى، وهي زيادة رواتب الضباط والجند وتأليف لجنة لإصلاح القوانين العسكرية ... وأن الخديوي قد أقصاه بعد ذلك من وزارة الحربية لإخلاصه للحزب العسكري، أما مصطفى فهمي فكان عرابي يميل إلى تقليده وزارة الخارجية لما كان يتظاهر به من الإخلاص للحركة ... على أنه لم يبد منه أي عمل إيجابي يدل على هذا الإخلاص، وكل ما عرف عنه أنه من يوم أن اشترك في مقتل إسماعيل باشا صديق على عهد الخديو إسماعيل ملئ قلبه رعبا من هول هذا الحادث، ونفرت نفسه من استبداد الخديويين، ومن هنا اطمأن له العرابيون. وأراد عرابي أن يقنع شريف بقبول مرشحيه، فقال له: «إن لكل وقت حكما، وإني واثق بحبهما للحرية والعدل والمساواة، وفضلا عن ذلك فإن العسكرية لا تطمئن لغير محمود سامي باشا.»
فعرض شريف باشا على عرابي أن يقبلوه هو وزيرا للحربية، ولعله أراد بذلك أن يراقب بنفسه ابتعاد الجيش عن التدخل في سياسة الدولة، إذا هو تولى وزارة الحربية.
قال مخاطبا عرابي: «أفلا ترضون أن أكون ناظر الجهادية؟ ... فإني قد ربيت معكم في العسكرية.» والحق أن حجة شريف باشا كانت قوية؛ لأنه تلقى التعليم العالي في المدارس الحربية، ونال قسطا وافرا من علومها وفنونها في أرقى مدارس فرنسا، وهو بلا شك أكفأ في هذا الصدد من محمود سامي البارودي ومن القواد العرابيين، ولكن عرابي أصر على اختيار البارودي للحربية، وقال لشريف باشا: «لقد اخترناك رئيسا للوزارة، ولا بد من مراعاة ميول رجال العسكرية.» فأصر شريف باشا على عدم قبول مرشحيه، وانتهت المقابلة الأولى على غير اتفاق.
ومضت أيام وشريف باشا متردد في قبول الرياسة، ولم يكن يستطيع غيره أن يضطلع بأعبائها وينقذ الموقف، وظل في تردده حتى عاهده العرابيون في بيان مكتوب أن لا يتدخل الجيش في السياسة، وأن يكون خاضعا لأوامر الحكومة، فقبل تأليف الوزارة وألفها يوم 14 سبتمبر سنة 1881، ورضي بإسناد الحربية إلى البارودي والخارجية إلى مصطفى فهمي.
وقدم كبراء البلاد وأعيانها إلى شريف باشا بيانا يقرب من بيان الضباط في العبارة ويطابقه في المعنى، وغايته إعلان ثقتهم بصداقته وميلهم جميعا إليه وانعقاد قلوبهم عليه، وأنهم يكفلون له أن لا يقع في المستقبل شيء من الحوادث التي تنسب إلى رجال العسكرية، وواثقون من أمتهم ومن رجال العسكرية الذين هم أبناؤهم وإخوانهم بزوال كل خطر، وانقطاع جميع الأسباب التي توجب الخوف والاضطراب، ويسألون الله تعالى تأييد دولته وتوفيقه لإصلاح أحوال البلاد بعناية الجناب الخديو المعظم.
Unknown page